loader
MaskImg

ديوان نخيل

يعنى بالنصوص الشعرية والادبية

"مقدمة سمفونية"

breakLine
2021-11-28

 

للكاتب الاسباني: غوستافو ادولفو بيكر


ترجمها عن الاسبانية: حسين نهابة
 

وكالة نخيل عراقي || خاص

 

"حلم العقل ينتج وحوشاً" نقش رقم 43 من "الطموحات" للكاتب فرانسيسكو غويا.


في الزوايا المُظلمة لعقلي، يغفو عراةً ابناء مخيلتي غريبو الاطوار، في انتظار الفن الذي يُلبسهم بصمت، كلمات تُمكنهم من تقديم انفسهم على مسرح العالم على نحو لائق.


خصبةً مثل سرير الحب البائس، شبيهةً بأولئك الآباء الذين ينجبون المزيد من الأبناء ليعتاشوا عليهم، ملهمتي إلهة الشعر والفنون الجميلة تلد وتتوقف عند المعبد الغامض للرأس معمِّرة اياه بخلائق دون عدد، لن يكفي نشاطي ولا كل السنوات المتبقية من حياتي، ان تمنحها هيئة.
وهنا في الداخل، عراة ومشوهين، متقلبين ومختلطين في ضياع لا يمكن وصفه، اشعر بهم احياناً يتموجون ويعيشون حياة مظلمة وغريبة، شبيهة لحياة تلك الاعداد الهائلة للجراثيم التي تغلي وتنتفض في حضانة ابدية في جوف الأرض دون ان تجد قوة كافية للخروج الى السطح وتتحول مع قُبَل الى ورود وفواكه.
معي يذهبون حتى الموت دون ان يتبقى منهم اي اثر سوى ما يتركه حلم منتصف الليلة الذي لا يُتذكر مع الصباح. في بعض المناسبات، وقبل هذه الفكرة المُرعبة، تُثير فتنتهم غريزة الحياة فيتدحرجون بأعداد هائلة بصخب هادئ بحثاً في الناس عمّا يُخرجهم من الظلمات التي يعيشونها، الى النور. لكن، آه! بين عالم الفكرة وعالم الشكل، هوة لا تُنقذها سوى الكلمة،  والكلمة الخجولة الكسلانة التي ترفض ان تُعين هذه الجهود. وبعد معركة خاسرة يسقطون ثانية في خمودهم القديم، بُكْم، مكفهرين وعجزة. يا للسقوط الجامد في اخاديد المسارات، اذا توقفت الريح وارتفعت الأوراق الصفراء في دوامة كبيرة!


ان فتن الابناء المتمردون المُتخيلين يفسر بعضاً من الحُمى التي تصيبني: انهم السبب المجهول بالنسبة للعلم، سبب مَجدي ونكوسي. وهكذا أراني اعيش هنا، رغم ما اعنيه من سوء، تتجول في رأسي هذه العاصفة الصامتة عبر حشود غير مكترثة. هكذا أراني اعيش، لكل شيء نهاية، ولابد ان اضع لها النقاط على الحروف.
ويستمر الأرق والخيال، ومعهما يستمر التناسل من زيجات متوحشة. تكافح نتاجاتهم المضغوطة مثل نباتات ضعيفة في بركة، لإطالة امد وجودها المُدهش من خلال منازعة ذرات الذاكرة، مثل عصير شحيح لأرض قاحلة. من الضروري فتح قنوات للمياه العميقة التي تزداد يومياً من الينابيع الحية، والاّ ستنتهي بتحطيم السد.
هيا اذن! هيا عيشوا الحياة الوحيدة التي اقدمها لكم. عبقريتي ستغذيكم بما فيه الكفاية لتصبحوا ملموسين، وسوف اكسوكم بما فيه الكفاية، حتى لو كانت خرقاً، لكي لا تخجلوا من عريكم. اشتهي ان اصوغ لكلِ منكم مقطع شعري رائع مُعبأ بعبارات ذواقة، يمكنني ان اجعلك فيها تشعر بالفخر مثل عباءة من الأرجوان. اتمنى لو استطيع ان انحت الشكل الذي يجب ان تكونوا عليه، مثلما يُنحت كأس من الذهب ليضم عطراً فريداً. لكن هذا مستحيل.
مع ذلك، اشعر بالحاجة الى الراحة. وبالطريقة نفسها التي ينزف فيها الجسد من اوردته المُترعة دماً فاسداً، احتاج ان اخفف هموم دماغي المُثقل بالكثير من الاشياء المستحيلة.


ابقوا اذن مُوْدَعين هنا مثل طائرة غائمة تؤكد مرور مذنب مجهول، مثل الذرات المُتناثرة لعالم جنين نفث الهواء قبل ان يتمكن خالقه من لفظ الموافقة على انتشاله من الظلال الى الشمس.


لا اريد ان تمضوا من جديد، في لياليّ التي تخلو من الأحلام، امام عيوني في موكب غريب تلتمسون من بإيماءات واشارات ان أُخرجكم الى الحياة الحقيقية، من الحاشية التي تعيشون بها مثل اشباح غير مُتماسكة. لا اريد ان تضيعوا كما هذه القيثارة البالية الهرمة حين تتكسر ومعها تنتهي نوتاتها النكرة. اشتهي ان اذوب قليلاً بالعالم الذي يُحيط بيّ، لكي اتمكن من الابتعاد، حين اكون فاضياً، عن اعين العالم الآخر الذي يمتلئ به رأسي. العقل الراشد، الذي هو حاجز الأحلام، يبدأ في الانهيار وتمتزج الناس من مختلف الشرائح مع بعضها ليُضلوا. يُرهقني ان اعرف اية اشياء حلمت بها، واي منها حدث. وتتوزع عواطفي بين اشباح الخيال والشخصيات الحقيقية. تصنف ذاكرتي المُتقلبة اسماء وتواريخ نساء وأيام ماتت او مرت، وايام ونساء لم يكن لهم وجود في عقلي. ومن المناسب ان ارميهم من رأسي مرة واحدة والى الأبد.


اذا كان النوم موتاً، فأشتهي ان اغفو بسلام في ليلة الموت، دون ان تصبحوا كابوسي، وتلعنونني لأني حكمتُ عليكم بالعدم قبل الولادة. اذهبوا اذن الى العالم الذي منه تناسلتم وابقوا فيه مثل الصدى الذي عثرتم فيه، بروح مرت على الأرض، على افراحكم ومعاناتكم، آمالكم ونضالكم.
ربما قريب جداً سيتوجب عليّ ان احزم حقيبتي لأرحل. بين ساعة وأخرى، يمكن ان تتحلل روح المادة لترتفع الى النواحي الأنقى. لا اريد، حين يحدث هذا، ان احمل معي، مثل متاع غير متجانس لدجال، كنز الصفائح والأسمال التي جمعت الخيال في سلة مهملات الدماغ.

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي