loader
MaskImg

ديوان نخيل

يعنى بالنصوص الشعرية والادبية

" بادوكالي"

breakLine

 

 

 

شارل جولييت

 

 

ترجمة المترجم التونسي عبد الوهاب الملوّح

 

 

انْقَضَت ثلاث سَاعَاتٍ صُحْبَة فاليري ارزومانزف. في تلك الأيام كان يتَمَّ تَقْديم الكَثير من أَعْمَاله المُوسِيقية, وَقَد تَلَقّى عرضالإنْجَازِ عَمَل فَني لِهَذا الخريف بقاعة’’غافو’’ في باريس.

 

لَدَيْه الحُريَّةُ المُطلَقَةٌ لِيُلَحِّن ما يَشَاءُ , غَير إِنَّه وجد نفسه عاجزا  كيْف يشْرع في الْعَمَلِ.إنَّه يُؤجِّل لَحْظَة تَدْوين النُوتات الأُولَى كُلَّمَا ألفى نفسه قدام عمل موسيقي  عليه إنجازه .لَكِنَّه يُدْرِك  دون  الاستسلام لليأس إن لاوعيه يَشْتَغِلُ ؛ وإنَّ العمل سينتَهِي ؛ في جَميع الأحوال ؛ في الوقتِ المُحَدَّدِ.

 

ثَلاث سَاعات من حوار ممتلئٍ وشَيّقٍ. نَسِي ’’ الغولاغ’’ حيث وُلِد وتَرَعْرَعَ حَتّى سِنَّ الرابعة عشر.نَسِي مَشَقَّة العُبُور الذي أَنْجَزَه لَيْلا بِضعة سنوات  بَعْد ذَلِكَ.هُو الآَن هادئٌ وَلَه هَذه الرُّؤْيَا المُتَعالية-تِلْك القُدرة لرُؤيَة نَفْسِه ورُؤية الطَّريق المَقْطُوعَة والعَمَلِ المُنْجَزِ بِشَكْلٍ مُتَقَطِّعٍ-

 

كَمْ أَبْهَجَنِي أَن أعثر على ذلك عند فَنَّان .إِنَّه يُحِبُّ قِرَاءة الشُّعَرَاء يَعْرف أَعْمَال بوشكين؛ ليرمونتوف؛ إخماتوفا؛باسترناك( يَحْضُرُنِي دَائِمًا مَطلَعُ قَصيدٍ كَتَبَتْها إخماتوفا على إِثْر إيقَاف ابنِهَا وَهْي لا َتَعْلَمُ إن كانت ستَرَاه بَعْد ذَلِك أم لاَ.هَذه الأَبْيَاتُ الأربَعةُ التي قَيَّدْتُها في دفْتَرٍ؛ أُعِيد قِرَاءتَهَا دَائمًا ؛ بِشَكْلٍ إنِّي حفِظْتُهَا عَن ظَهْرِ قَلْبٍ:

 

عِند الفجْرِ جاؤوا للْبحثِ عنكَ

كنْتُ أَتبعُكَ مثْل موكب يرفع جسدا

كَان الصبية فِي الغرفة المُظلِمة ينتحبُون

ذابت الشَّمعَةُ فى زاوية الأَيقونَات

يَتَحَدَّثُ بِصَوت خَافت ؛ خافت بِدَرَجَةٍ إنَّ كَلِمَاته لم تكن  تَصِلُني أَحْيَانا غير أنَ مَا قَد ضَاع مِنْها لم يفْلَت مني. صوت ملتَحِم بالصَّمتِ؛ يُثري الكلمات التي يهمسُ بِها وما كنتُ التقِطُه كان يكْفِيني.

 

في اتجاه "كومبورغ"  Combourg

 

كان القطار متوقفا في المحطَّة . جلست  حِذونَا امرأَة شابَّة مع طفليْها؛ صبِي في العاشرة من عمره وبنت أَصغرُ سنًّا؛ هُم في طَريقهم الى "البروتاني" Bretagne لِقضاء ِ إجازَةٍ.كان الأبناء يبكون بسبب فراقِهم لأبِيهم الواقف هناك عنْد الرَّصيف ؛ في انتظَار أن ينطلِق القِطارُ.بَكَت الأمُّ بدورِها لرُؤية أَبنائهَا يبكونَ. كانوا يحاولون إخفَاء تأَثُّرهم وقد بَدا عليهم الحرجُ ؛ ملَوِّحين بِأَيديهم في حركات توديعٍ مسترقةٍ.أذهلني تأثُّرُهم ؛ودموعُهم عََرت عيوني.

 

كومبورغ

زيارة القصر الذي قضى فيه شاتوبريان قسما من طفولته.بنايةٌ شاهقة ؛ضخمة وصارمة لا زخرفة فيها.تمَّ تشييدها في القرن الحادي عشر وخضعت لتغييرات إلَى حدود القرن الخامس عشر.

 

أرْبعة أبراج ضخمة تحصِّنُ البِناية الرَّئِيسية.فَتْحَات قليلة.

عهدُوا بِه في البِدَاية إلى حاضنة ؛ وصَل شاتوبريان  إلى كومبورغ في سنِّ الثامنة واستقرَّ هناك دزينة من السَّنَوات على ما اعتقد.كانت أمّه تَعيش هناك رغما عنها ؛ تعاني حالَات انهِيَار عصبي وجدت في الصَّلوات  وَنجَاوي  الله  الطَّويلة ملاذا . أَمّا أبوه فكان صارما؛ ربّى أبناءه على الشظف.

لكي يبلغ غرفتَه عند قمة أحد الأبراج كَان على شاتوبريان وهو في الثامنة من عمره أن يخرج من القصر أَوَّلا ويصعد على ضوء شمعة درج البرج الدَّاخلي؛ ثم عليه أَن يقطع جزءا من الطريق في شكل دائِري؛ لِيَجد بعد ذلك قاعة دائرية حيث سيقضي ليلَته.إني  أتصوَّرُ ارتعاباته. كان ذلك في زمن ؛حيث  الاعتقاد في الأشْبَاحِ مازال قائما؛ ولطرْد الأرْواح الشريرة؛يعْمدون إلى دفن الأَجِنَّة الموْتى والهياكل العظمية للقططِ النَّافِقة في الحِيطان وَهي في طور البناءِ. إِنّي أُحاول أن أتخيَّل كيف كان شكل الحياة في هذا القصر الجَنائزي؛ خاصة في الشِّتاء؛ بينما الأمطار تنقضُّ على البروتانيو. يا لبُؤس شاتوبريان !أيّ طفُولة مرَّ بها.أتذكَّر دائما مقَاطِع من " مذكرات ما وراء القبر "Mémoire d'outre tombe   الذي درسته وأنا في صفي الأول. برؤيتي للقصر اكتشفت إن ما تخيلته سابقا مازال ينام في ذاكرتي كنت أَرَاه تَائها في الأراضي البور والغابات في حين إن، قصر الغرانيت الحقيقي جدا هو جزء من المدينَةِ.

جوجوريو

 

كنت قرأت كتابيْن لغوتفريد بن منذ ثلاثين سنةً خلَت: مُخْتَارات من القصائد ودِيوان من نصوص مختلفة ’’ شاعر والعالم’’ أَتذكَّر الآن وبعْد كل هذه السنوات إني مازلت مأخوذا ببضعَة أسْطر وردت في إِحْدَى دراسَاته .فهْو يَرى إن الشَّاعر لَن يَكتُبَ  أَبدًا أَكثَر من ثمانية إلى عشر قصائد جيِّدة. بِمَا تكون قَدْ كلَّفَته أربعين أو خَمسين سنة من العمل الشَّاقِّ. إِلى اليوم مازلت أحمل ورائي مسيرة طويلَةً إِنِّي أَفهم الآن حكمة هذه المُعَاينةِ.ولكن ماذا نقصد بالقصيد الجيِّد؟ إِنَّه بلا شَكٍّ ذلك القصيد الذي يُعطي انطباعا بالنجاح المطلق. هُو ذلك القَصيد الذي نعثر فِيه على الإيقاع والموسيقى والانْفِعال بين الرُّوحي وشَفافية الشعور. كَمَا إِنَّه من الضروري أن يَكْتَسي التَّعْبير عن الأشْيَاء الذَّاتية بُعْدًا كونيا.إِنَّ قَصيدا من هذا النّوع  لايَنكتب بتدخُّل أَيَّة إرادة مهما كانتْ.كُلُّ مُحَاوَلَة تَصْبُو إلى النجاح المأمول مآلها الفشل .

 

وأنا هل كتبْتُ قَصيدةً أو قصيدَتَيْن جيدتين؟ سَيَبْدو في طرح هذا السُّؤال شيئا من الغرور . 

لَن أَطرحه إذا.فقط إنَّ مَا أعرفه هو إنه عليَّ أَن أعمل مدفوعا بضرورة ؛آمل أن لا تلينَ.لَن يكون بإِمْكان أولئك الذين لَدَيهم القدرة على الحُكم ؛ إِعلان أن شاعرا مَا  من خلال بَعْض قَصَائِده  قَد اقترب من الإتقان إلا إذا ما اكْتَمَل  مُنْجَزُهُ.لَو كَان أَبَواي هما من ربّياني ما كان ممكنا أن أواصل دراستي . كُنْت سَأَذْهب إلى المدرَسَة إلى حدودِ سِنِّ الثالثة عشر من عمري؛ إِثْرَ ذَلِكَ كان يتوجَّبُ عليَّ أَن أَبحَثَ عَن عملٍ.غيْر إِنَّه في ذَلِك الوقت لم يكُن بإمكَان طِفْل صغير أن يختار مِهْنَةً في هذه القَرْيَة الصَّغيرة .عَلَيْه أَن يَشْتَغِل العَمل الذي سيحَدِّدُونه لَهُ.إِلَي أَيْن كَان يَتُمُّ تَوجِيهي إذًا؟من كنت سأكون ؟ وماذَا كُنت سَأصيرُ؟ كَثيرًا ؛ مَا كُنت أَطْرَح عَلى نفسي أَسْئِلَةً من هذا النوع ِ ولاَ أَجد إجابْةً عَلَيْها.

لكن ما حدث هو أنني أُبْعِدْتُ عن أمّي أَيَّامًا قَليلة بَعْد وِلاَدتي. وكان لهذا الانْفِصَال نتيجتان هامتان: لَمْ أَبْق في قَريَتِي ؛ مسقَط رَأْسي ؛ إِذ  إِنَّه سوف لَن يكون لي فيها أيُّ مُسْتقبل. عَلى إثر ذلك حالَفَني حَظٌّ عظيم مَكَّنني من مُواصَلة درَاسَتي.وبالنظر إلى ما جرى من الأَحْدَاث فإِنَّ مَا سَأقوله قد يَبْدو صادمًا ؛ أَعتَرف إِنَّ مَأْسَاة أُمّي عَادت عليَّ بالفائدة .مِن المهمِّ ونحنُ نتحدَّث عن آلامِهَا ألاَّ نُكْثِر من الكَلام. لكن َّ هَذا لاَ يكْفِي. يجب أن تكون الكلمات المستعملة مشبعة بالحياء و ولا تهْدف إلى إحداث أثر ما ولَيْسَتْ مثيرة للشفقة.في اعْتِقَادِي إنه على هذه الكلمات أن تتَصِف بِالجِدِّية والبَسَاطة التي يَحْتَاجُهما الألم ُالذي يَسْلِخُنَا وَيَتْرُكُنا عُراة يُسْنِدُنَا كأفْقَر مَا نَكون. بِإِمْكَاننا أن نَجْرَح الآَخر ونُؤْلِمُه بَشَتَّى أَنواع الأَسَالِيبِ.خدشَات طَفيفة ودنيئة أو عذابات تنتَشِرُ لا َتَكُفُّ عن نَفْثِ سُمِّها.وبِقَدر مَا يَعْنِيني عَدَمُ إِيذاء الآَخر فالادِّعَاء الأخلاقي أَقَلُّ من أَن يَتَحَكَّم في آرائِي وسلوُكِيَاتي .غَالِبًا مَا أُدرِكُ وَأَنا في حَضْرَته ما يَشْعُرُ بِهِ ؛ أُحِسُّ الأَلَم الذي قَدْ أُسَبِّبُه لَهُ؛ بِشَكْل أَجِدُنِي وبِسُرْعَةٍ مُضْطَرَّا عَلى أن لا أقول شَيْئًا؛ أَن لاَ أَفْعَلَ شَيْئًَا خِشْيَة أَن أُؤْلِمُه أَو أجْرحُه. 

لَم يَكُن بإِمْكَاني حضور جَنَازَتِه وأَسِفْتُ لِذَلِكَ.

 

كَان يَنْتَمِي إِلى بَلْدَة طُفُولَتِي وَكُنْتُ أُكِنُّ له الصَّداقة. هَذا إِضافة إلى أنَّ  مَرَاسِمَ دَفْنِه اتَّسَمت بِشَيْء لاَفْت . عِوَض المُوسِيقى المَهيبة والرخِيمة؛ المُعْتَادة في مِثل هَذه المُنَاسَبَات . كَان صَوتُ امرأة حقيقي يُحَيّي دُخُول النعْش إلى الكنيسة و يَهتْف في أَعْلى درَجاته« Non, je ne regrette rien... »’’ لا لست آسفة على أي شيء..’’- إحدى الأَغَاني النَّاجحة لإديث بياف-. وعِنْد نِهَاية المراسم ؛ حين جَاوز حَامِلو  التَّابوت الممرَّ الرَّئيسي إذا بِها أُغْنية أخرى « La maladie d'amour »’’ مرض الحب ’’ رافقَت الخُرُوجَ.تَمَّ إعْداد تَجْهيزات صَوتيَّة في الرّواق لِتَبُثَّ الأغنية  للجموع الغفيرة ممن جاؤوا لمواكبة مراسم الجنازة-كان معروفا في جميع أنحاء المنطَقَة- وما استطاعوا دُخول الكَنيسةِ.أَبْدى الكَاهِن اسْتِيَاءَه وهو الذي يُحب إسماع صوته الجميل  في مثل هذه المناسبات وفَّوَّتوا عليه فرصة أن يكون نجم المناسبةِ. كَمَا إن الكثير من الحاضرين لم ينجوا من الصَّدمة. و جَاءَت الأيام التالية مُحمَّلةً  بالكثير من التعليقات حول الموضوع. أليْس  هو  بالتَّأْكيد من أراد أن يكون موكب دفنه مشابها لـلنخّاس الذي كان؛ وقد كان يَنْزَعُ  إلى التَلَذُذِ الكامل بكلّ الأشياء التي يتيحها له الوجودُ. في المُحَصَّلة ؛ عوض الهمِّ والدُّمُوع حَلَّت بهْجة أغْنِيتين تتدفقان حُبَّا للحياة مضْطرما أجاجا.

تُرَاوِدُنِي ذِكْرَياتٌ بعيدة ... 

 

بسبب عدم معرفة اسمي منحَتْنِي العائلة التي استقبلتني عندما كان عمري ثلاثة أشهر اسْمَهَا .

عِنْدَمَا كُنْتُ في العَاشِرَة ؛ كُنْتُ مُعْجَبًا بِه وأريد أنْ أَكون نَخَّاسًا. كَان يَلْبَسُ ما يَلْبَسُه كل تُجَّار الخيل في ذَلْك الوَقْتِ:فولار وبلوزة واسعة. كنتُ أَلُفُّ حَول عُنُقي فولارا أَحمر وألبس مِيدعة سوداء كبيرة جدا بعدما سحبْت عَنْها الحِزَامَ.

لمرة أو مرَّتين طلَبَ مِنَّا ؛ أنا وصبيّ أخر أن نَصْطَحِب إلى الجَبَلِ ؛ خمسة عشر ؛ عشرين بقرة من محطَّة قِطَار ’’امبريو’’. مَا يَزِيد عن ثَلاثين مَيْلاً! لِحُسن الحَظِ؛ كَانت حركة السَيَّارات قليلةً لَكن؛ يالها من كوريدا خلال الجزء الأطول من المسَافةِ.

وَهْي تَنْدَفِع خَارج عربة القِطَار أَيْن كَانت مَحْبوسةً ليومين أو ثلاثة ؛كانَت الأَبْقَار كَمَا لَو إنَّها مَجْنونة؛ وَكَان من الصَّعْب عَلَيْنا أن نوجّههَا. هَذا إضافة إلى إنها كَانت تعاني من الجُوع والعَطَشِ.تَنْفَلِتُ؛ رَاكِضَةً شِمَالاً وَيَمِينًا رَافضة العودة إلى الطريقِ.

أَذْكرُ أَيضًا حَالة الإرهاق التي كنت أُعَاني منها نهاية كل يوم من تلك الأيَّامِ.لَكن يالها من مُتْعة إني قَد شارَكْتُ في ما بدا لي إنه مغامرةٌ حَقيقيةٌ.

روتْ لِي فيرونيك وهي مُدَرّسَةٌ ب "نانتوا"  Nantua  إنَّهَا وَمُنْذُ عشر سنوات كَانت أسْتَاذة في مدينة صَغِيرة من "بلاد كو" Pays de Caux . وَحدث إنَّها كَلَّفت تلامذتها بِدرَاسة كتاب ’’سنة الصحوة’’ L'année de l'éveil .كان أحدهم قد قرأ في صحيفة محليّة أنني كنت سأقدّم محاضرة في المدينة المجاورة فحدّثها بالأمر.في المَسَاء نَفْسه جَاءت لِتَسْمعني مَصْحوبة بثلاثة من تلاميذها. وفي نهاية اللقاء قدّمت نفسها ؛شكرتهم الأربعة على الحضور وعلى تحمّلهم عناء التنقل وصافحتهم .كنتُ قَدْ  قَد نَسِيتُ كُلَّ ذلك بالتَّأْكيدِ؛غَيْرَ إِنَّها أَعْلَمَتْني إن شكري المُوَجَّه لتلاميذها وَمُصَافحتي لهم كان لكلّْ هَذا عَظيم الأَثر فيهم وشعروا أنهم ذو قيمة  لأن كاتِبًا حَدَّثهم ٌَ. وَلئِن  كانوا قَد  تأثروا بالقليل الذي قدّمته لَهم  فذلك بسبب عَدَمِ ثِقَتِهم  في أنفسهم إذ هناك عدد كبير من الشباب يعاني من يأس مستفحل، فَيَنْدَفِعون في الحَيَاةِ  منهزمين مُنْذُ البِدَاية ومتأكدين كلّ التأكد أنهم لن ينجحوا في شيء سوى الهزيمة ؛لذلك أزور المعاهد أحيانًا لأتحدث فيها.حِين أَجدُ نفْسي قُبَالة فصل أو فَصْلَيْن أو ثلاثة قَام مجموعة من الأستاذة المتحمسين بإعدادها(في تسعة من عشرة منها هن نِسَاء) ألمس انتظارات لابدّ أَن أُجِيب  عنها . وأتحدث بجِدْيَّةٍ وعن قناعة محاولا اللَّحاق بهؤلاء الشباب عبر الأسئلة التي يَهجسون بها، ولا أبني أوهاما حول قدرة كلماتي لكني أعرف أنّ جملة واحدة بِإِمْكانها أن تُحَدِّد كائنا إلى الأبد وقد تجعله يؤمن بنفسه وَيُوجِّه حَيَاته.

في السَّنوات الأخيرة عِشْت لِقاءات شديدة الكثافة في مُدنٍ مختلفةٍ.

 

وَنَحْن في طرِيقنا إلى بادن بادن توقفنا لاستراحة قصيرَةٍ في منطقة الجورا l'aire du Juraعند معرض حول الأزرار التي تحمل ختم ماركات مرموقة.  و كانت هذه الأزرار سببا في قيام صناعة بالمنطقة .لِمُدَّة ثلاثة قرون أو أربعة كان  من حَقِّ الذكور فقط استعمال الأزرار؛ كنت عاجِزًا عن معرفة السبب من وراء ذلكَ.وإذا كانت النساء لا تستَعْملنه فذلك لأَنَّ الكنيسَة حرَّمَتْهُ. فالفستان الذي يحوى أزرارا أماميّة من شأنه أن ينفتح بسرعة وحينها لا يمكن أن نتكهّن بما يمكنهنّ فعله. على إثر ذلك وعندما تم  رفع هذا الحظر وعَوَّضت الأزرار الشرائط واصلن إقْفال فَسَاتينهن على مُسْتوى الظَهر.

 

عِنْدي الآن  رُؤَيَة واضحة للسّنوات الأولى من مسيرتي . وَأعرف أن الأَزْمَة التي مررت بها لم يَكن مصدرها اضطراب نفسي ما. فحياتى المنتظمة كانت منخرطة في مسار طبيعيّ جدّا وباستثناء بعض الأوقات النادرة،  أعتقد أني لم أفقد أبدا توازني وأني لم أُضَيَّع يوما ما أنشده بِشكل بديهي.غير أنَّ هَذه الأزمة سَتُسَبّب اضطراباتٍ حادَّةً. فهي ناتجة عن تغيّرات تحفزها لضرورة التخلّي عن الذات القديمة واسْتيلاد أخرى يَجِب عليها أن تكون. إنّ هذه الولادة لا يمكن أن تحصل إلا إذا ما نجحنا في تحرير أنفسنا. أن نتحرّر من طفولتنا، من ماضينا من كلّ ما من شأنه أن يشلّ أو يعزل، من كلّ ما من شأنه أن يُعَطّل أَن نَكُون أَنْفُسَنا بامتلاء ، طبعا فهذه الحرّية إن لم يتمَّ امتلاكها بعمل عنيد ؛صارم  وحريص على التميز لن تكون كاملة. على الأقلّ يجب أن نصبو إليها قدر الإمكان .

 

أعتقد إنني أَتَذكر إن هولدرلين في إحدى رسائله كتب إن كلمة حرية جميلةٌ لمن يعرف معناها؛إذ أنّ كثيرا من الأشخاص يحملون تصوّرا خاطئا عن الحريّة. فهم يعتقدون إنه لتكون حرًّا ؛يعني التملُّص من بعض القواعد والواجبات وليس الأمر كذلك. أن نكون أحراراً هو عدم الخضوع إلى ما يمكن أن يحددنا سلفا .يتعلق الأمر بأن يكون المرء قادرا على التفكير بنفسه. 

 

قديما منذ مئات السِّنين مايزال الكرم المُعَرَّش عند واجهة بيتنا يانعا ومورقًا بشكل مهملٍ. وعند الخريف ؛ عناقيد مُثْقلة بالعنب المتراصِّ(وهو عنب غير صالح للأكل بما إِنَّه لم يتم تَلْقيحه). ولَكِنَّنا عندما نشاهد الدَّالية وهي تتَسَلَّق الحَائِط ليس لنا إلا أن نَنْدَهشَ؛ تَقَصَّفت وهي في أَقْصى عُلوها سَتَبْدو كَما لو إنها قطعة خشب ميِّتَةٍ.وحِين يَتَحَوَّلُ العمودي إلى أفقي يتمزَّق بشكل غير معقول   ويدور حول خيط من حديد من جهتين أو ثلاث. يمكن أن نجعل أجزاءه تنقسم إلى أجزاء صغيرة بإصبع واحد وأن نخلصها من أجزاء من القلف  و هي سوداء قطيفية الملمس وسهلة التفتت غير أنه في هذه الغابة بالتحديد يدور نسغ النبات و هو الطاقة الحيوية التي ترمز إلى سر الحياة.

ليتني أكون في آخر أيامي كمثل شجرة الدالية هذه فهي تبقى حيّة بالرّغم من مظهرها البالي.

 

 

 

 

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي