loader
MaskImg

نخلة عراقية

سيرة مبدع عراقي

حسين البصري

breakLine

 

نخلة عراقية

 

 

حسين البصري فناناً شاملاً


 


بصوت عذبٍ  و حزن رومانسي لطيفٍ شق حسين البصري طريقه و ابتدع أسلوبه الخاص بطريقة عصاميةٍ شاعراً و ملحناً و مغنياً ، ببشرته السمراء و بحته البصرية بدا حسين البصري فناناً شاملاً و راحت أغانيه تستوطن الأسماع ليغنيها أكثر من فنان عربي و عراقي .
في حوار له يقول :-
"المفروض ما يسموني حسين البصري، يسمونني «مظلوم البصري» من كثر العداوات والحروب التي شنت علي في مسيرتي الفنية".
و حسين البصري هذا الفتى الأسمر المظلوم هو فنان و شاعر و ملحن عراقي كبير نزحت عائلته من محافظة البصرة وسكنوا في منطقة الشاكرية في بغداد، ليبصر حسين النور ،ثم انتقلت عائلته إلى مدينة الثورة “ الصدر” حالياً  أحب الموسيقى والغناء فاشترى آلة العود بمبلغ خمسة وعشرين ديناراً، جمعه من اشتغاله “ بالعمالة “. ودرب نفسه بالعزف على هذه الآلة.
أول أغنية له كانت هي “ حد الشوف “ في العام 1972 وبعد عام أصدر أغنية “ شفتج بعيني”، وفي العام 1976 أصدر كاسيت “ الصورة “ ومن ضمنه أغنية “ كمر كمر “، التي استوحاها من أغنية عبد المحسن المهنا “ الله أمر عاشق وأحبك ياكمر “. وكان متأثراً آنذاك بالفنان عبد الكريم عبد القادر.
البصري فنان شامل، فهو يكتب ويلحن ويغني، وله أسلوبه الخاص في الغناء والتلحين وقدم انموذجاً راقياً للأغنية الشعبية، يستمد موضوعاته من يوميات الناس ومعاناتهم، فجاءت أغنية “ كوه كوه “ من خضم معاناة فراق حبيب عن حبيبته، بسبب سياسة التهجير في النظام السابق و هي التي أعاد ماجد المهندس غناءها في قناة روتانا.
وأغنية “ أنا فنان “ جاءت من حوار الفنان حسين البصري مع امرأة تبيع في الساحة الهاشمية بعمان في تسعينيات القرن الماضي، عندما وصل الجوع الى العظم اثر العقوبات الاقتصادية المفروضة على العراق، وكان احد ابنائها قد قتل بالحرب. وعندما غنى هذه الاغنية امام الشاعر عبد الوهاب البياتي بكى وتأثر بها وقال “ علمنا حسين البصري أن ننزل إلى الساحات لنكتب الشعر “.

كذلك أغنية “ نايم المدلول “ التي تركت اثراً عميقاً بذاكرته، عندما شاهد أحد الجنود وهو بريعان الشباب قد سقط قتيلاً، لإصابته بشظية ولا تبدو عليه آثار الموت، ولم يصدق أن هذا الشاب الوسيم الأنيق الحليق الذقن، قد فارق الحياة، فجاءت أغنية “ نايم المدلول حلوه نومته “.

تمتاز أغنيات حسين البصري بالإيقاع الخفيف الراقص مثل الهيوة والخشابة.. والجمل الموسيقية الرشيقة الممزوجة بصوت ممتزج بالحزن المعتق، وكأنه يريد بهذه الخلطة أن يفتح نوافذ للروح تخرج منها الآهات والهموم، كما هي فلسفة الرقص على إيقاع قرع الطبول عند الأفارقة لاستخراج الأرواح الشريرة من جسد الإنسان المعذب.

قدم البصري تراجيديا الفرح، فهو ينطلق في كتابة وتلحين أغانيه من الموقف الإنساني الذي يمر به، كما يسمى في الاصطلاح المسرحي “كوميديا الموقف “ فهو من أكثر الفنانين الذين بثوا الفرح في الاغنية العراقية ذات الطابع الفجائعي، وعندما قدم الثنائي مي أكرم ووحيد أغنيته “ استعجل يا ميل ساعة “، كانت أشبه برذاذ تشريني ينث الفرح على يباب الروح التي تيبست بفعل القهر واللوعة.
حتى أن الرئيس السابق أحمد حسن البكر عندما جاء إلى بيته وجد اولاده يرقصون على الارائك ويغنون “ استعجل يا ميل ساعة “ وعندما وجد الرئيس الفرح في عيون اطفاله، اتصل على الفور بوزير الثقافة وطلب منه أن يكرم الفنان الذي صنع هذه الاغنية.
وجد الثنائي مي ووحيد ضالتهم في الحان البصري الخفيفة الظل والمقبولة شعبياً، فعاودا الكرة باغنية “ رايح وين كلي “. 
أصدر البصري العام 1980 كاسيت “كوه كوه” ثم أعقبه في العام 1982 بكاسيت “علميني شلون انسه” ليرسخ تجربته الإبداعية على أرض صلبة في ساحة الغناء العراقي ويكون على مدى حقبة الثمانينيات من القرن الماضي، المطرب العراقي الأول المطلوب في الحفلات والاعراس. 

وبفعل الشهرة الكبيرة التي تمتع بها البصري أنتجت له شركة بابل شريطين منها “ نسيتيني “.. السر في شيوع أغنيات البصري جماهيرياً هي العفوية والصدق في انفعالاته الحسية والفنية، مثلما يصف هو ذلك، مستوحياً أغنياته من قصص الواقع والعذابات اليومية، فهو يبادل أوجاعنا بمسرات وقتية تنشد الفرح وتثير شهية الروح للانعتاق من الهموم نحو أفق الحرية والأمل.
إذن كانت تجربة البصري الغنائية تتسم بخفة الظل وقريبة من الحس الشعبي، لكنها ليست سطحية إنما هو قدم فن السهل الممتنع بتلقائية ابداعية نجح ان يكون قريباً من مشاعر واحاسيس الجمهور. لكن هناك أغانيات تتسم بالانتقالات المقامية والألحان المركبة التي تثير دهشة الملحنين الآخرين، كما في أغنية “ دمع شمعاتنا “ وأغنية “ شفتج بعيني “ التي كتب كلماتها كريم راضي العماري.
على الرغم من أن البصري كتب معظم أغانيه، إلا أنه تعامل مع مجموعة من الشعراء منهم طاهر سلمان وداود الغنام وحامد الغرباوي وغيرهم. وله تجارب في تلحين القصيدة مثل “ أني خيرتك “ للشاعر نزار قباني التي لحنها قبل الفنان كاظم الساهر بسنوات طويلة، وايضاً برع في تلحين وأداء الأغنية السياسية الثورية والتمرد على السلطة الاستبدادية كان من سمات الفنان حسين البصري، بل هو محارب شرس ضد الفاشيست والدكتاتورية ولم يغن للنظام الدكتاتوري السابق، الأمر الذي كلفه السجن وانحسار الضوء الاعلامي عنه، وعدم قبوله في دائرة الإذاعة والتلفزيون، رغم امكانياته الفنية وحب الناس له ونجاحه الجماهيري، وظل البصري الى يومنا هذا قريباً من افكار ومشاعر الناس وبعيداً عن موائد الحكام، يصوغ من أوتار عوده ونغمات صوته الشجي أغنية للامل والانطلاق نحو افق ملون بالحب والحرية، رغم أن مساحة الفرح في أغنياته الأخيرة أخذت بالانحسار.