loader
MaskImg

السرد

يعنى بالسرد القصصي والروائي

نوّار الدفلة

breakLine


هادية آمنة | شاعرة وكاتبة تونسية

 


تحرّك عبد الوهاب منعطفا في صعوبة على جنبه الأيمن، فتزحلقت المجلّة وسقطت على الأرض. أسف، أجال بصره في الغرفة المستطيلة الساكنة تحت ضوء أصفر مريض، مُرتعش منبعث من مصباح كهربايّ صغير، مشنوق في السقف. أربعة أسرّة أولها سريره، الذي بجانبه شاغر، حتما قد ودّع نزيله إلى إحدى الدارين وعلى السريرين الآخرين جسدان ساكنان مغموران تحت أغطيّة باهتة. حرّك عبد الوهاب أصابعه طالقا مطبقا، هكذا دأبها كلما رغب في الكتابة. يريد قلما وورقة، مدّ يده في صعوبة للمحفظة المخبوءة خلف أكياس الفواكه وعلب الياغورت والطناجر الصغيرة، الملفوفة في مناديل  معقودة على أغطيتها بإحكام وحرص.. خانته قواه وعظامه المدشدشة فحنق، أسلم نفسه لفكره يقتات منه قبسا يُنيربه الظلمة الثقيلة الزاحفة على كلكله، لماذا لا أجمع أشعاري في كتاب يُخلّد اسمي بعد موتي؟ لماذا لا أعيد كتابة التاريخ المبتور الذي أدرّسه للتلاميذ؟ هههه حتما سيكون ذلك الفعل سببا في موتي. أليست الكتابة هي نبض مشاعري التي امتصت أدقّ التفاصيل التي استشعرتها حواسي الخمسة؟
الذوق, الشمّ , السمع ,اللمس والنظر. عندما يتلقى منهم دماغك هذا المعلومات، يقوم بتفسيرها
وإرسالها إلى جسدك هذا، حينها ينتصب قلمك، ممارسا الحبّ دون قيود! بحريّة جامحة على
صفحات بيضاء عذراء فتولد الأفكار تنمو، تكبر، تتناسل، تتكاثر، فتمتدُّ أغصاني وتتعالى بعمق جذوري الراسخة في هذه الأرض. بغرور العباقرة الموجوعين إبتسم في نشوة. أنّات ونداءات من مرافقيه في الغرفة قطعت عليه حبل أفكاره. دخل الممرض مهرولا. أجال بصره، حملق في المحفظة السوداء في ريبة، ابتسم عبدو وأشار حيث سقطت المجلّة، التقطها الممرّض، طواها ووضعها تحت إبطه ثمّ همّ بالمغادرة
-سي... 
-نجيب خويا، إسمي نجيب، تحتاج الحاجة؟
طلب منه أن يمدّ له المحفظة، فتحها، أخذ منها كنّشا وقلما ثمّ مدّ له رواية قائلا
-يُمكنك قراءتها، تُرجعها فيما بعد.
أخذها الممّرض متردّدا، قلّب صفحاتها، توقّف يتأمل عجيزة منفلقة بخطّ مرسوم بقلم رصاص
لامرأة ضخمة ملفوفة في ثوب أبيض شفّاف، تطلّ من نافذة.       
-ما نعرفش إنفكّ الخط أمّا باش نقراها   
ضحكا، ساعده على الجلوس ثم انصرف    
أخذ عبد الوهاب الكنّش ورّقة، كلّ صفحاته بيضاء. ألقى رقبته على المخدة مغمضا عينيه مستجلبا شيطان الشعر لكنه أبى الحضور! الشيطان لا يحلو له التربّصُ إلا مُحاط بالجمال، أيّ جمال هنا؟ لم يحضر الشيطان، لا لوم عليه..   
لكن حامت به شخوص خزنتها ذاكرة الطفولة وأخرى درّسها وضرب بالعصى من نسيّها واستهان بنحتها على جدار مُكتسباته التعليميّة فكتب، التاريخ عالق بذاكرتي مضمّخ بروائح ليالي السّمرالشتويّة الباردة المختبئة في دفء حكايات الرواة من رجال ونساء، خزانة سحريّة تنفتح أسرارها عن مغامرات شخوص وأبطال تسري دمائهم في عروقي، حلقات الحكايات يتغيّر جمهورها ومضمونها بتغيّرالأمكنة. في دارنا كانت في الغرفة القبليّة حيث نسهرُ وحيث أنام. أمّا في مقهى المسيلة المُطلّ على زقاق الفطائريّة كان طعمها مختلفا ,في الحالتين، ما خرجت من لحاف الأساطير، لذلك ما انغلقت مسامعي عنها حتى حين انفتحت عيوني على ذلك الراوي، الكتاب المدرسي الحكومي، الفجوة سحيقة بين المصادر. تبدو المغالطات منطقيّة وحتميّة في التسويف، في طمس الحقائق، السلطة حاسمة بيدها ناصية المعرفة وكتابة التاريخ، توليد اللغة لا يعوزني فأنا إبن الشعب سارد بالوراثة أنا سأعيد كتابة التاريخ، نعم سأعيد رواية التاريخ، الجملة الأخيرة قالها بحماسة العازم على أمر فوصلت كلماته إلى سمع نجيب الممرّض المنتظر إلى قطرات البول الشحيحة التي يعتصرها المريض العجوزالمتألم.
-آش باش إتعاود 
-التاريخ، التاريخ يا سي نجيب، سأعيد كتابة التاريخ
حكّ الممرّض رأسه ثمّ قال ناظرا إلى السطور والتعاريج السوداء التي اكتسحت  الصفحات البيضاء.
-ربي يقويك يا إمْعَلِّمْ
تعب عبد الوهاب من الكتابة، خذلته قواه المنهكة فدعا الممرّض ليساعده على سحب جسده المُقمّط بالجبس، استلقى متوجّعا، حينها بادره نجيب ممازحا
-عندك التاريخ ,عندك بولة ؟ 
-نعم عندي بولة، محصور، الكتابة مثل البول حالة استفراغ لذيذة نحسّ بعدها براحة.
استمع له الممرّض باهتمام المُعجب، الغيرفاهم، ثمّ مدّ له قرصا منوّما وغادر. 
في الخطّ الرفيع لأشعة الشمس المتسلّلة من النافذة العالية تصاعد بخار متراقص لماء ساخن سكبه رجل على جثّة عارية مطروحة على طاولة، لفّها بكفن أبيض ثمّ خرج مستعجلا.
فتح عبد الوهاب عيونه، ضرب بساقه صندوق القصدير البارد الذي يحتويه فانزلق الدرج على الحامل الفولاذي وانفتح، أطلّ برأسه  ثمّ نطّ . وقف شاخصا في صفوف الصناديق المحيطة به، سمع اسمه، متقطعة حروفه في نداءات رخوة ممدودة ثمّ لاهثة متسارعة صارخة مستغيثة "عبدو.. عبدووووو.. عبد الوهاب... عبد الوهاااااب…قزقزقت الصناديق ثمّ انفتحت على ضحكات هستيرية يعقبها بكاء وعويل لنساء وأطفال، هبّت رياح عاويّة مُحمّلة برسائل مكتوبة بالدم على ورق البرديّ الباهت، تطايرت، حامت حوله تمسّه تصفعه تخدشه، دار حول نفسه، خائفا لاهثا، ثمّ أقعى صارّا ركبتيه على جوفه سادا أذنيه مطوّحا بجسده العاري، خمدت الريح والأصوات، بقي ساكنا، أحسّ بيد تمسّه من كتفة فارتعب وزاد في تقوقعه، سمع صوتا يعرفه يهمس له في أذنه "عبدو تعال اتبعني، لا تخف، أنا شهلة" فتح عيونه غير مصدّق، أجل إنها شهلة" بشعر طويل يغمر كامل جسدها، نظرت له بعيونها الجميلة ومشت فالتحق بها،ثمّ رآها تحلّق صاعدة إلى السماء، لم يدري كيف تمكّن من الطيران خلفها.
بمطرقة خشبية قرع القاضي فصاح الحاجب
-محكمة، سكوت 
سكتت كلّ حركة إلا من ذلك الهدير النافخ المتسلل في عناد البليد، قال القاضي مشيرا بإصبعه. 
-أنت عبد الوهاب الشرايطي؟ نسبة إلى أمّك أنت الشرايطي وإلى والدك التليلي، عُرْفُ محكمتنا لا يعترف بنسب الأب فهو أمر مشكوك فيه.
ـ اللعنة على صلعتك، أمّي أشرف منك أيّها الحلّوف.
-ماذا قالت لك نفسك الأمّارة بالسوء أيضا؟ أيّها المُعلّم. ألست معلّما للصبية؟ في نقطة ما من هذا الوطن العزييييز، العريييق، تكلّم؟
-ننننعم، سيييدي 
مستمعا إلى شخير المستشار الضخم الجالس في المقعد الثالث على يمينه، غبطه، ثمّ طرح القاضي سؤاله  في حدّة 
-"النفس" مذكّر أم مؤنث؟   
-لا لا  أعرف يا سيدي.
علت الضحكات تجوب أرجاء القاعة  الخشبيّة الفخمة، فطرقت المطرقة ثلاث ضربات ثمّ ركنت مزهوّة مستمتعة.
قال الحاجب بنغمته الطوييييلة 
-هدوووء… هدوووء... هدوووء
-النفس مذكّر أم مؤنّث؟  أفصح، أنطق، تكلّم يامعلّم الأجيال 
إثر سماع كلمة أجيال, وقف كلّ من في القاعة ,هيئة المحكمة، المتّهمون في أقفاصهم والمتفرّجون يغنّون ويتمايلون على أنغام أغنيّة الحلم العربي الشهيرة.
أجيال وراء أجيال هتعيش على حلمنا، واللي نقوله اليوم، محسوب لعمرنا. 
جائز ظلام الليل، يبعدنا يوم إنّما
يقدر شعاع النور يوصل لأبعد سماء 
دا حلمنا طول عمرنا،حضن يضمّنا
كلّنا  كلّنا
بعد إنهاء الأغنية تعانق الجميع في ودّ، وعندما اقترب الحاجب لمعانقة رئيس هيئة المحكمة دفعه عنه حانقا وقال في صوت غليظ "محكمة" فأعاد الحاجب القول في ثبات أرجعه إلى حجمه الطبيعي، سعل القاضي، أعيد طرح سؤالي 
-النفس مذكّر أم مؤنّث؟ يا معلّم  يا متّهم
-ما نعرفش، قلت لا أعرف. 
ضرب سيبويه على كفّه وغادر القاعة مغتاظا فالتحق به أستاذه الذي أخذ عليه علم النحوّ وبسّطه
الخليل بن أحمد الفراهيدي.
حينها نطّ عقل عبد الوهاب وتدحرج على الأرض محاولا الاعتذار قائلا في نفسه "لم يكتب عالما كتابا في علم النحو مثل سيبويه، أنا مدين له" لكن سرعة الأرواح فائقة تصعب ملاحقتها من جسم  لزج زاحف، عاد العقل آسفا، حدّق بعينه الوحيدة في صاحبه، القابع خلف القضبان الحديديّة، مطّ شفتيه الرقيقة، أخرج لسانه الورديّ الطويل مرّره على جسده المُبطبط اللّامع ثمّ قال 
-النفس مذكّرة ومؤنثة في نفس الوقت. شقّ صوت اعتاد  صاحبه الحضور يوميّا للمحكمة بقصد التسليّة.  
-أبَيِّْ، خنثى، لا ذكر ولا أنثى.
ـ أخرجوه من القاعة. أخرجوووووه
محمول زقفونة على الأكتاف. مانع الشقيّ المشاكس ضاربا بساقيه مدغدغا  كلّ من تصله يده، صارخا:
-عجبتني قضيّة اليوم، عجبتني برشة  بااااارشة، لا أريد الخروج 
عاد الهدوء إلى القاعة فانزلق العقل سريعا؛ يمنة، يسرة، للوراء ثمّ للأمام، بسرعة فائقة دار
حول نفسه. فرح عبدو بعقله الشاب النّشط الذي نطّ ككرة مطاطية ليستقرّعلى طاولة هيئة المحكمة. أفزع المستشارالنائم فاستفاق ودفعه في قرف قائلا 
-لا تتجاوز حدودك أيها الشئ المُقزز. متوجعا أجاب العقل: 
-من هنا، من القاع، لا أستطيع رؤية طلعتكم البهيّة الموقّرة.
-هذا غير مهمّ، يا عقل المتّهم. نحن نراك ونسمعك، تحدّث.
شنقل العقل عينه الوحيدة إلى فوق وقال في ثبات.
-كلمة،نفس، سادتي الكرام؛ مذكر ومؤنث في نفس الوقت..
كثرت الغوغاء متسائلة من الخاصة والعامة.
قرعت المطرقة الجدران ثمّ قفزت نحو السّقف العالي المُنتهي بقبّة بلوريّة ملوّنة تَعكِسُ نور شمس الأصيل، تراجعت المطرقة "المسافة بعيدة لا تستحق العناء" ثمّ ركنت قرب أصابع القاضي الغليظة المكسوة  بالشعر، تنتظر نوبة جديدة من القرع ,سمعت عقل المتهم عبدو يترافع في ثقة ما أعجبتها.
-المفهوم  في حدّ ذاته هو مصدر للجدل والغموض. كلمة نفس المذكرة تعني الإنسان كاملاً جسداً وروحاً أما النفس المؤنثة فهي الروح  ((يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي))
وزُبدة القول هي أن النفس لم يعرف لها تعريف دقيق ما هي؟ ولا أين توجد؟ لا يوجد يقين عنها ولكن، أرجح الظن أنها، نعني النفس هي اتصال بين الجسد والروح، النفس يا سادة،
تجمع ذلك المبدأ الحيوي الذي هو التنفّس؛ شهيق، زفير.. شهيق، زفير.. شهيق، زفير
ببساطة، التنفّس حركة ينتعش بها الجسد فيحيا وعندما ينقطع يموت 
-إن شاء الله في رأسك يا لُكزة
حينها التفت العقل غاضبا باحثا عن المُتكلّم.
-خسئتَ يا تافه، أنا لُكزة، أنا لُكزة؟ 
-واااااصل 
هكذا شخط فيه القاضي فتابع العقل قوله.
-مع ذلك تحمل الروح دوما ذلك الأمل في الحياة الأبدية يمكن لهذه الروح مشيرا إلى الجموع أمامه وخلفه أن تذهب بعد ذلك إلى الما بعد. الجنة أو الجحيم...!
-اللطف،اللطف،اللطف،الجحيم؟ إن شاء الله في رأسك 
عادت القاعة للضجيج والمطرقة للدقّ والحاجب للصياح.
-سكووووت، سكووووت، سكوووت، سكوووت... بصوته الجهوريّ يقول القاضي ناظرا إلى عبد الوهاب مشيرا إليه بيده الطويلة الغارقة في أكمام ثوبه الأسود المتدلي المُدغدغ لوجه المستشار الذي بجانبه.
-هناك من المجرمين من يعيشون في هذا الوطن الجميل يأكلون، يشربون وينامون في أمان، تحت لواء الزعيم.
تصفبق حار وهتاف يهزّ أرجاء القاعة 
-عاش الزعيم عاش عاش عاش.. عاش الزعيم عاش عاش عاش
ممسكا بخبزة طويلة بيده، يقضم ذيلها المُقرمش قال القاضي: 
-ماذا يريد الشعب؟ الخبز والأمان
-هذا هو الخبز 
باحثا عن الأمان للإشارة إليه فما وجده
-أين ذهب؟ ولد الحرام
ثمّ واصل حديثه، متأمّلا أثر كلماته على الوجوه أمامه
-المجرمون أمثالك يا سي عبد الوهاب، تشعر نفوسهم المريضة بالإقصاء يعتقدون أنّهم على الهامش فيكونون فريسة للأفكارالمظلمة الهدّامة، كيف، كيف سمحتَ لروحك المتمرّدة أن تتلاقى في سريّة  تامة بأرواح من جبل بن يونس وجبل عرباطة وجبل آقري وجبل المغيلة.
ثمّ أردف في عصبيّة 
-لا تهتمّ محكمتنا الموقّرة بالجبال والهضاب والسهول ولا حتى بالبحار والمحيطات ما يهمنا،
هو أنّك اخترقت الأعراف والقوانين، تريد إعادة كتابة التاريخ، يريد إعادة كتابة التاريخ، ها ها ها، إنّها الخيانة العظمى، إنّها الخيانة العظمى
عاضا على لسانه في غيظ رافعا المطرقة 
-والله تَوْ انغفّسك ألا يعجبك هذا المخطوط القيّم وهذه التحفة الفنيّة النادرة، وهذا الكتاب المدرسي، تريد إفساد الأجيال،
ويعود جمهور القاعة للغناء في متعة بالغة لأغنيّة الحلم العربي التي مطلعها كلمة أجيال، إحتراما لكلمات الأغنية ومعانيها لم يقاطعهم القاضي بل غنّى معهم ثمّ عاد للمتهم وقال في تهكّم  
يا أرعن، يا آبق، يا فاسق يا زنديق أنت متّهم بالخيانة العظمى 
قفزت المطرقة طربا للكلمات الرنانة وانهمكت في وصلة بديعة من القرع الموزون.
-تؤجّل الجلسة للمداولة والنطق بالحكم  بعد مئة سنة من تاريخ اليوم السابع عشر ديسمبر ألف وتسعمائة و واثنان وسبعون.
-واحد وعشرون جرام هو وزنها .
هكذا قال الضابط لمساعده
ثمّ زجوا بروحه المرفرفة المغلولة إلى قاع قارورة صغيرة، كتبوا عليها بياناته الشخصية 
وضعوها على رفّ حجريّ بين قوارير أخرى علاها غبار أسود، فتح عبد الوهاب عيونه على عملاق وقزم يُطلاّن عليه من عنق الزجاجة ,يُرجرجانه، فخاف منهما وتصبّب جسده عرقا وصاح بصوت خفيض مستنجدا  
-سي عبد الوهاب، سي عبد الوهاب، فيق، فيق، إنتَ لابأس؟
ذهلا، متعوّذا من الشيطان وأفعاله
-لقد كان كابوسا فظيعا، شريبة ماء.. سكب العوني الماء في كأس وساعده على ارتشافه، جلس مديره سي النوري على كرسيّ آسفا 
لحالته قائلا:
-الزملاء والزميلات، كل الإطار التربوي في المظيلة وفي قفصة يسألون عن أحوالك.
ثمّ أضاف حارس المدرسة 
-سي عبدوالناس الكلّ تستنى فيك، الصغار، توحشوك برشة  
أنعشت كلماتهما روحه العليلة، فابتسم، تجاذب معهما الحديث مجيبا عن أسئلة مكرّرة عن الحادث وكيفية وقوعه ثمّ غادرا.
-الأكل كثير، سيفسد، خذه يا نجيب
وضع الممرّض الأطعمة في قفة كبيرة من السعف ثمّ دفعها بساقه تحت السرير
-نجيب، ما هذا الأزيز المزعج الذي أسمعه طوال الليل والنهار وحتى في كابوسي، ألا يسكتُ؟
-علاش، إتحبّهم يعوموا ويغطسوا في العرق كيفنا؟
-من؟
-الأموات، بينك وبينهم هذا الجدار، الصوت هو صوت الثلّاجات.. أحسّ عبدو بقشعريرة تغزو جسده فسأل في حنق  
-متى سأخرج...؟
-غدوة الصباح يشوفك الطبيب ويقول...!