loader
MaskImg

السرد

يعنى بالسرد القصصي والروائي

عيدٌ واحتراق

breakLine


صالح عزام | كاتب سوري
                       

فجأة تحوّل الكون إلى قرية صغيرة غدت شوارعها متلألئة ُبكلِّ أنواع الفرح والألم والحزن والفراق والوجع والدفء.
الجنود ألقوا بيضاتهم عن 
رؤوسهم فالرّماح تقوّست ظهورها وانحنت ترشف النّبيذ الأحمر المعتّق الذي لم تصل حاناتِه خيولُ صلاح  الدين، ولم يمرّ بها جنود ( واترلو ) وما وصلت إليها سكسكات جنازير تنكات هتلر، ولم تقطع شرايين رقابها بلطات ( داعش ) عن أجساد زجاجاتها الممشوقة القدود، فكأن هذه الزجاجات عذراوات حافظن على أختام شمعهن الأحمر، وقد نجون من حمحمات الغزاة للقدس في ليلة محمومة دافئة أنيسة لم يختلس الأعراب السّمع فيها لاستراق آهات الأنبيذ المقدّس؛
بل راحوا يقرؤون في سابقة مَهيبة أشعار نزار وهو يعتذر لفيروز.. قرعت الأجراس في تلك الليلة الدافئة وراحت مزامير داوود وأبوه تعزف موسيقى الأمان التي راحت الطيور ترقص بفرح وأمان على سحر أنغامها حتى إنّ ذوات الريش الحريري الناعم منها قد تخلت عن رياشها لحسناوات الليل يتراقصن مثل اهتزازات أضواء حالمة على جدران الفضاء المخملي.
دارت الكؤوس وانحنت رقاب الكون حول شمعة السّنة القادمة، 
رحت أبصر من زاويتي الباردة في قريتي الفقيرة دموع تلك الشّمعة تنساح حزينة على جسدها العاري مددت إليها سبابتي برفق ودار صدى صوت الكون القروي يسألها عن سرّ دموعها، أكانت لأنها فارقت العسل؟ أم لأن خيطا غريبا غُرِسَ في قلبها راحت نيرانه تحرقه وتحرّق جسدها العسلي المنسوج من الذكريات؟
حنيت إبهامي باتجاه  السّبابة أحسست ببعد المسافة بينهما عصوراً طويلةً محاولاً الإمساك بذيّاك الخيط لأسحبه من الجسد أحسست بناره تلسع أصابعي، فجأة أعتمت أنوار قريتي، ولفّت الكون الظلمة...!