loader
MaskImg

السرد

يعنى بالسرد القصصي والروائي

عشق ولاّدة بنت المستكفي

breakLine

 

 

 

 

 

 

 

 

محمد مزيد || قاص عراقي

 

وجدتُ الأميرة " ولادة بنت المستكفي " جالسة في البار حزينة، أعرفها حق المعرفة، عندما تكون بهذه الحالة، معناه أن أمرا جللا قد حدث لها، أقتربت منها، وهي تضع قدحها على الطاولة، لاسألها عما يحزنها، رفعت خصلات شعرها الذهبي عن عينيها، نظرت اليّ بتلك الطريقة المحببة، نظرة الخيلاء والشموخ بدون استعلاء، قالت: لقد حبس الوزير ابن عبدوس حبيبي احمد ابن زيدون. 
دخولي الى البار ، بعد مقتل والدها المستكفي بالله، من أجل أن اكتب سيرة حياتها ، ليس كما كتب المؤرخون في الازمان القديمة ، ولا حتى مثل كتابة مؤرخي الازمان الحديثة، أحب من أكتب عنهم الدخول عليهم بلحمي ودمي، أشاركهم طعامهم وملابسهم وانام في قصورهم .
وجدت ولادة في تلك الليلة حزينة، دعتني الاميرة الى تناول النبيذ معها، فلم أرفض ، حكت لي ما مرت به من خطوب مع الوزير ابن عبدوس ، كيف انه طلبها إلى مخدعه ، فرفضت ، مبررة أنها على ارتباط بعلاقة حب مع الشاعر احمد بن زيدون ، فقام هذا الوزير بسجن حبيبها ، ولم يكتف بذلك ، وشى به الى الخليفة الاندلسي الاموي المستكفي بالله . 
ضرب الخليفة عليها حصارا قاسيا، لكنها استطاعت بمساعدة جارية تخدمها ان تفلت من الحجز والحصار الأبوي، عندما استبدلت ملابسها، وارتدت ملابس الجارية، ثم هربت من قصر الخلافة.
سألتها كيف تمضي وقتها وأين تبيت ليالها، وهي المدللة الغارقة بالنعيم والخدم والحشم وطيب الطعام، فقالت، أن الجارية التي تقمصت دورها، تخرج من القصر ملثمة، بمساعدة الحرس الذين نامت معهم في بعض الليالي، تأتي إليها ، حيث تسكن في بيتها الواقع في ضواحي قرطبة ، تجلب لها كل ما تطلبه منها، أخبرتني أن والدها لا يمكنه ان يفطن لما يجري في القصر ، فهو مشغول بجواريه تاركا شؤون المملكة، يعيش بعيدا عن أمها، التي هي في الأصل جارية ، تزوجها بعد أن حبلت بها، برغم معارضة والده ، ولما قتل جدها استولى والدها على حكم قرطبة .
لم تكمل كلامها، وقد أصبحت ثملة واخذت تردد ( ﺃغارُ ﻋﻠﻴﻚَ ﻣﻦ ﻋﻴْﻨِﻲ ﻭمنِّي / ﻭﻣنْكَ ﻭﻣِﻦْ ﺯﻣﺎﻧِﻚ ﻭﺍﻟﻤَﻜﺎﻥِ / ﻭﻟﻮ أنِّي خبَّأتُكَ ﻓﻲ ﻋُﻴﻮﻧِﻲ / إلى ﻳﻮﻡِ ﺍﻟﻘﻴﺎمةِ ﻣﺎﻛَﻔَﺎﻧِـــﻲ.
أرتشفت ما تبقى في القدح، فسألتها عن قصتها مع احمد بن زيدون الشاعر. في هذه اللحظة بدأت تبكي، قالت أن أحمد كان يحضر المجالس الأدبية التي نعقدها لنتبادل الشعر، ونقد الشعراء ، كان هو من بين العديد من الشعراء ممن يعشقها، من الذين طلبوا ودها ، غير أن ما اعجبها به، انه يكتب الشعر الجزل العالي بنفس مكابرة ، وهذه الخصلة في شعره، تفتقد اليه كل أغراض الشعر الذي كان يقولها عشاقها لها ، حيث التذلل والخشوع وإهانة النفس ، وفي ليلة جاءها والدها المستكفي، ليقنعها بالزواج من الوزير أبن عبدوس، رفضت القبول به، لأنها تراه غليظ الأخلاق، لا يكترث لمشاعر المرأة.
ولما أخبره والدي الملك برفضي له، جاءني في الليل، يريد معرفة السبب الذي من أجله رفضته، سألني هل هناك رجل آخر؟ فأخبرته بنية صافية وبراءة، إنني أعشق احمد بن زيدون. 
في اليوم التالي، ألقي القبض على حبيبي الشاعر، وأودعه غياهب السجون، حتى والدي لا يعرف مكان سجنه، اختفى أحمد من الوجود، بقيت حتى الى عمر المئة سنة وانا ارفض الزواج من الرجال.
قلت لها، قرأت أنك رفضت الزواج حتى من احمد بعد خروجه من السجن، لماذا؟ قالت: ظهر انه كان يعشق جارية سوداء، فضلها علي لان صوتها عندما تغني تسحر السامعين ، فأوصدت أبواب قلبي من دونه، ولما هجرته الجارية، ظل يبعث لي بقصائد الغزل التي أصبحت مشهورة في زمانكم ، لان مطربين غنوا له، واحدة من تلك القصائد تقول " اضحى التنائي بديلا عن تدانينا ، وناب عن طيب لقيانا تجافينا " فلم اكترث له ، حتى بعد مقتل والدي واستيلاء اهل قرطبة على سدنة الحكم ، بقيت وحدي اتجرع مرارة الحب المقتول ، أعيش سنواتي الأخيرة .
بعد أن ارتشفت المزيد من النبيذ صاحت بي : من أين أتيت أنت ؟ دعني نائمة في بطون الكتب، أرجوك لا تعبث بسيرتي .