loader
MaskImg

السرد

يعنى بالسرد القصصي والروائي

رواية الغابة ( 13 )

breakLine

 

محمد مزيد || قاص عراقي

 


ما أن حطّ هليل رأسه على الوسادة ، بعد أن انجز مهمة قضاء حاجة الارملة، قبل قليل في الحمام، حتى شعر ببهجة غمرت روحه اللائبة المتصدعة، كانت بهجته تفوق كل المصائب التي مرت به حياته، أخذ يتذكر القبلتين، يتذكر طعمهما والعسل الذي لطعه منهما، كيف أن روحه، صعدت فوق المروج سابحة مثل طائر في خضرتها التي لم يصل اليها حتى في خياله. وفي تلك اللحظات، التي سرح بها ليستذكر سعادة أرتشاف الشفتين، جاءت صفاء زوجة الضرير لتوقظه. كانت تسير على الاربع في الظلام الدامس، " هليل هل أنت نائم؟ " أزاح البطانية عن وجهه مذعورا، تلمس ذراعا عارية بضه، فقال من دون أن يكتشف من الذي يتحدث إليه في هذه الظلمة " أبتعدي عني أحلام أرجوك، أريد أن أنام من فضلك، أنا متعب جدا " ، وبالرغم من أن صفاء فوجئت وصدمت من ترديد أسم غير إسمها، ظاناً إنها احلام ، فقالت له بصوت خافت وبغضب" هليل أنا صفاء زوجة الضرير، أريدك أن تساعدنا، اذا سمحت ، زوجي محصور يريد قضاء حاجته. " فنهض بسرعة وشعر بالخجل منها ، قال لها " صار ، أنا جاهز،" وبعد أن أزاح البطانية قال لها " أطلب منك أن تخبريه الا يتكلم على السلم أو تحته بإية كلمة إطلاقا، أخشى أن يسمعونا هؤلاء الغرباء في الاسفل ،" قالت " لا تهتم سأبلغه بذلك، وسارافقكما أيضا " ، أنسل هليل من فراشه، لبسه خفه، وسبقهما الى الباب، في تلك الاثناء، كانت أحلام ( ام شامة ) تصغي الى حديثهما، وهي تغلي بنيران الغيرة والحقد على المرأة، عادت صفاء تسير الى الاربع الى زوجها، أخبرته بأن يجهز نفسه، وقالت له مثلما أراد هليل، الا يتكلم أبدا اثناء نزول السلم، في الطريق الى الحمام، نهض الرجل، تمّسك بيدها، قادته الى خارج الغرفة، حيث يقف هليل الذي أمسكه وهمس بإذنه " أرجوك لا تتكلم باية كلمة "، هز الرجل رأسه موافقا، فأمسكت به زوجته وهو يضع يده اليمنى على الدرابزون، بينما يسبقهما هليل بدرجة واحدة على السلم، كانوا الثلاثة ينزلونه بهدوء وصمت مطبق، حابسي أنفاسهم، لايعلم هليل أن صفاء خلفه ترتدي ثوب النوم الشفاف القصير الذي يظهر كل ساقيها، فهي لا تنام الا بهذه الملابس الخفيفة، ذلك لأن جسدها منذ زمن بعيد، يتعرق بسرعة أن لبست ثوبا قطنياً أو صوفياً أثناء النوم، حتى في عز الشتاء. أن هيئة هليل بلغت حدا من التوتر النفسي لم يبلغها في حياته كلها، حتى وهو في أشد السنوات الصعبة التي مرت عليه ، أيام العسكرية في جبهة الحرب الايرانية أو حرب الكويت أو الحصار، كانت صفاء تنظر الى فروة شعر هليل، برغم الظلام، يدها اليسرى طليقة والآخرى تمسك بها زوجها، أحتارت ماذا تفعل بهذه اليد الطليقة، هل تمسد على شعر الرجل الغريب الذي عبرت تصرفاته طوال الساعات الماضية عن رجولته وأريحيته ؟ أن مشاعرها متضاربة تتخاطف في قلبها، فهي أصغر سناً من زوجها، ولا تستطيع أن تهضم عطل الحياة في جسده، بعد أن كان يسرح ويمرح فوق جسدها الابيض، لقد تعطلت حياته منذ أن سرق السفلة الطائفيين نور عينيه، وسرقوا سيارته، وروحه الجميلة الضاحكة، بقي على حافة الحياة يقاد الى النسيان وربما الى الموت، ليس لديه من أمل سوى أن يسمع صوت أبنه المغترب، أبنه الحبيب الذي هيأ له والده بعد سقوط النظام، كل ما يحتاج اليه لكي يسافر الى اوروبا، وبات الضرير يأمل أن يحضن ولده، ليأخذه الى مستشفيات برلين كي يعالجوا بصره المفقود، كما طلب منه ذلك، هذه الخواطر هي التي تجعله صابراً على تجرع ألم المغامرة في عبور بحر ايجه، مغامرة يبدو لانهاية لها، وهو يقاد الان الى الحمام، إية حياة تعيسة هذه التي يعيشها، بحيث يصعب عليه الوصول الى الحمام بنفسه؟ وغير قادر أن يتخلى عن مساعد البشر! اليد اليسرى لزوجته صفاء مازالت طليقه، تلوح بها ضجرا ويأسا من حياتها المدمرة التي اصبحت بلا معنى وهي تكاد تغامر بها بأن تلمس شعر هليل وهو ينزل درجات السلم أمامها، يمنعها من وضع يدها على شعره، أن زوجها يمسك براحة يدها بقوة، وكأن اليد الحلال التي تمسك بها تمنعها من إرتكاب آثام اليد الحرام التي أخذت تفرط في إضطراب روحها. وصلوا الى نهاية السلالم، يجلس الغرباء في غرفة من الغرف وقد أبتعدوا عن الصالة، وثمة باب أحدى الغرفة مغلق، يبدو إنهم ناموا، فقال لها هليل بصوت خافت " انطمروا ، هذا هو الحمام خذي زوجك اليه وأطلبي منه الا يحدث صوتاً " فقالت له هامسة " لكن الظلام لايجعلني أعثر على مكان المقعد المناسب "، وقبل أن يمسك هليل بيد الرجل " أنتظري هنا، أخذ يبحث عن القداحة في جيبي بنطلونه، ولما وجدها، أضاء الحمام، وأجلسه في المكان المناسب، ثم خرج منه ومازال المصباح مضاءً، فأكتشف هليل، إنها ترتدي ثوبا شفافا بنفسجيا لايغطي الا النزر القليل من جسدها، فقال في نفسه " اندهرنا والله دهيرة " أطفئ المصباح بسرعة، ذلك لان وضعية المرأة بهذه الملابس الفاضحة ستكون فريسة لعيون الغرباء وهم سكارى الان، قد يتصاعد الفضول لديهم الى حد الاضطراب أن اكتشفوا وجودها الان، وربما تخرج الامور عن السيطرة، وقفت صفاء بجانبه بثوبها الشفاف، وشعر أن ظهر يدها يلامس ظهر يده، فأبعد يده عن ملامستها، أبتعد عنها خطوة واحدة، كان يصغي الى شخير الغرباء، فهدأت نفسه وخف توتره، بعد قليل سمع من جوف الحمام اصواتا على العزف المنفرد خارجا من جوف الرجل الضرير،" لا على المحصور حرج"، هكذا قال لنفسه، ولمداراة خجلها، أقتربت صفاء منه، لامسته من دون أن تقصد بذلك، صار فخذها قريبا من يده، شعر بدفئه، فمسكت يده وأخذتها اليها، تعلم إنها ترتكب إثما في مداعبة الرجل الغريب، لكن صوت الشيطان في داخلها صار أقوى من كل صوت، يدفعها لكي تمرر يده التي تمسكها الى منابع الجمال في جسدها، لكنها قمعت وسوسة الشيطان في لحظة صافية تجلت فيها فطرتها فتركت يده، شعرت أن زوجها يريد الخروج من حمام الظلام ، فأضاء هليل المصباح، وتقدم خطوتين ليمسك بالرجل الذي وجده يبحث بيديه عمن يقوده من ظلمات عينيه وظلمة المكان، بدأوا يسيرون بخطى بطيئة على إيقاع خطوات الرجل الضرير، هذه المرة هليل هو الذي يمسك بيده اليمنى بينما يسرى الضرير تتحسس الدرابزون صعودا، ومضت صفاء تسير بجانب هليل، قال الضرير الى هليل، لماذا تمسك بي أنت وليست صفاء ؟ هل هي تصعد خلفنا ام أمامنا، فقالت له أنني خلفكما ، فالسلم لايتسع لنا الثلاثة، أبتسم هليل لكذبها المفضوح، فهي تصعد بجانبه ويدها تلامس يده، تتمنى أن تأخذ يده الى رقة وعذوبة جسدها، لكن هليل مازال يستطعم أثر سباحته في المروج مع الارملة، وليس مستساغا عنده أن يسمح لهذه المرأة المتزوجة بالتلاعب بإعصابه، قال في نفسه " هي بقت عندي أعصاب ، انفلكنا والله " وصلوا الى الغرفة بسلام وبدون أحداث ضجة قد تتسبب بإحراجهم، أضاء مصباح القداحة في الغرفة والقى بخيط الضوء على النائمين، وجد أن أحلام مازالت مستيقظة واضعة يديها تحت حنكها نائمة على بطنها، كأنها تنتظر عودتهم على أحّر من الجمر، كانت تراقب دخول الثلاثة، فاضاء المصباح الى جهة فراش الزوجين، ثم عاد الى فراشه، وقبل أن يآوي إليه، أطفئه، ثم نام واضعا البطانية على جسده المتعب، وبعد قليل، تلقى ضربة على قدمه من قدم حافية رقيقة، كان قد علم من هي صاحبة الضربة والقدم ودوافعها. فأبتسم ونام .