loader
MaskImg

السرد

يعنى بالسرد القصصي والروائي

رسالة خوف

breakLine

 

 


هيثم العوادي || قاص عراقي


منكس الرأس، معصوب العينين، اسحب قدميي المثقلتين، قادوني موثوق الكتاف، بخطوات متعثرة نحو مصيري، لم اشك لحظة بأني ميت لا محالة، منذ ان نزلت في ذلك الكمين، وانا انعى نفسي، سحقوا الورود اليانعة، قطفوا رؤؤسها في ذلك المكان.. هنالك حيث رقص شيطانهم في بركة الدم، وولغ فيها حد الانتشاء، تركوا النساء في احضان العويل، تتقاطر من عيونهن صور وذكريات، كنت وحيدا حين امسكوني، لست بشاب لأعدم في الميدان ولا عجوزا يُترك لمصيره. 
صوت صرير الباب الرئيسي الذي يفتح على مصراعيه، واصوات بلهجات شتى ترحب بالفاتحين، تتصاعد كلما توغلنا في المعسكر، انصت جيداً، لعل من بينهم من يخلصني سمعت احدهم يقول:
-خذوه الى الحبس، سننظر في امره غدا.
في غرفة شديدة الحلكة، معتمة الدياجير، فكوا وثاقي وعصبة عيني، جلست اتحسس المكان لعلي اهتدي الى سبيل، او شيء ادافع فيه عن نفسي.. امسكت بكيس كبير، مدت يدي ببطئ الى داخله لمست سائلاً لزجاً ، اخرجت يدي بسرعة زادت دقات قلبي، استجمعت شجاعتي،  مدت يدي مرة اخرى عدت مرعوبا الى الخلف ازدادت وتيرة انفاسي بتصاعد مستمر:
- ياالهي انه رأس إنسان!!. 
عدت مرة اخرى زاحفا نحوه تفقدته من الخارج هذه المرة، تأكدت بأنها ثلاثة رؤوس..كمية الرعب تكاد تفقدني اتزاني.. بل انها جمدت الدماء في عروقي..وانتفخت اوداجي..وجحضت عيوني التي كدت ابصقها من محاجري.. استجمعت قواي حدثت نفسي:
-لا داعي للخوف والقلق فبعد ساعات قليلة سأكون  في هذا الكيس، لا ادري اين يرمون بجسدي لكني متأكد ان رأسي سيكون هنا.. 
جاشت بي عاطفتي وسرحت في عالمهم، وانا افكر واستنطق مناحرهم لعلها تجيبني وتدر الدموع واستمع الى نشيجي فجلست  مخاطبا احد الرؤوس: 
-ماذا تفعل امك الآن هل علمت بك؟ هل قالت (مسيت العافية عليك يايمه)؟ تحسب كل يوم طولك على الجدار..تتحسس شاربك عندما ينبت.. تشم عطرك المنبعث من رقبتك.. واظنها تتسأل عن ذلك العطر هل لازال في نحرك.. قلبها الآن يخفق بقوة ويضطرب، يكاد يخرج من مكانه اشفاقا عليك، لأنه يعلم كل شيء. 
التفتُ الى الرأس الثاني وقلت له: 
-زوجتك الحبيبة مشتاقة لترى سنابل العشق في رموش عينيك، وجنة الأمان التي وعدتها، وانهار الحب وقصر الحنان، لتملئ البيت لها اولادا يسعدونها،  لقد قلبت جنتها لهيب شوق مستعر، وجحيم فراق مستمر، تلك الأحلام التي رسمتها في لوحة أيامها البيضاء بالوان الربيع الزاهية، مابالك اليوم اجمعت على تحويل حياتها الى ايام خريف بالية!!. 
سحبت الكيس وقربته أكثر لتتسرب قشعريرة برد في جسدي، اريد ان اقضي تلك الليلة بمونلوج وجع وحزن لعلي انعى نفسي قبل رحيلها، او اشق من جدار صمتي منفذا تتسربل منه روحي.. التي تكاد تخرج من بين مسامات جلدي وينقضي ذلك الوقت الذي يفصلني عن فصل رأسي. 
بعد مضي برهة ذلك الصمت توجهت للرأس الثالثة: 
- اين بنتك ذات الاربعة سنين الآن،  الا تشعر بها لقد فزت من نومها،  وهي تصيح ابي، يزداد حرقة صوتها ولهيب شوقها، تريد ان تنام بحضنك كما كل ليلة، الا تتحرك الا تنطق؟،  مطلوب منها هي ان تطالب برأسك كما فعلت رقية، اتريد ان تلفظ ابنتك اخر انفاسها وهي تحتضن رأسك. 
بين اسنة الرماح وقعقعة السيوف في احلامي، صحوت من اغفائتي فوجدتني متوسدا تلك الرؤوس، لم اعلم ان ليلتي انقضت مع تلك المناحر الا حينما دخل شابين يلبسان الزي العسكري،اجلساني وامسكا يدي واخذاني الى جهة الباب،لازالت الغرفة معتمة حين فتحوا الباب نظرت النظرة الاخيرة لرفقائي في تلك الليلة، فلمحت ان ما في الكيس ثلاث رؤوس دمى ملابس!!
اتجهت صوب الباب نصبت قامتي، هدأت نبضات قلبي، ضحكت في سري، بانت ابتسامتي، ظهرت من السر الى العلن فوق قسمات وجهي، مع قهقهة بصوت عال، تعجب منها السجانان، وعلامات الاستفهام تطرق رأسيهما، زاد تمسكهم بيداي قوة وعنفا، دخلنا دهليزا طويلا،انفرجت في نهايته ساحة كبيرة كان السياف منتظرا قدومي،ثلاث شبان معصوبي العيون جاثين على ركبتيهم، نظر الي السياف ابتسم بخبث رفع سيفه الى الاعلى صاح الله اكبر، فقطع رأس الاول ثم كبر الثانية والثالثة..، ونظر الي ضاحكا،.. انفغر فمي تعجبا، خفقان قلبي ووجيفه حطما ضلوعي... افلتت يدي بدون شعور، هرولت نحو الرؤوس، انها حقيقية والدماء لازالت حية، تصب مع كل نبضة، وتلك النحور تشخر بمرارة، اخذت اصرخ واصرخ لعله حلم لعلي استيقظ منه،  حاولت ضرب نفسي ، امسكوا يداي بقوة.. وضعوا قماشا اسودا على رأسي، انهارت قواي، استسلمت، غبت عن الوعي، ظننت انني قد مت، لولا اني صحوت على رائحة نتنة وانا نائم في حاوية نفايات معدنية بالقرب من منطقة سكني.رسالة خوف


هيثم العوادي || قاص عراقي


منكس الرأس، معصوب العينين، اسحب قدميي المثقلتين، قادوني موثوق الكتاف، بخطوات متعثرة نحو مصيري، لم اشك لحظة بأني ميت لا محالة، منذ ان نزلت في ذلك الكمين، وانا انعى نفسي، سحقوا الورود اليانعة، قطفوا رؤؤسها في ذلك المكان.. هنالك حيث رقص شيطانهم في بركة الدم، وولغ فيها حد الانتشاء، تركوا النساء في احضان العويل، تتقاطر من عيونهن صور وذكريات، كنت وحيدا حين امسكوني، لست بشاب لأعدم في الميدان ولا عجوزا يُترك لمصيره. 
صوت صرير الباب الرئيسي الذي يفتح على مصراعيه، واصوات بلهجات شتى ترحب بالفاتحين، تتصاعد كلما توغلنا في المعسكر، انصت جيداً، لعل من بينهم من يخلصني سمعت احدهم يقول:
-خذوه الى الحبس، سننظر في امره غدا.
في غرفة شديدة الحلكة، معتمة الدياجير، فكوا وثاقي وعصبة عيني، جلست اتحسس المكان لعلي اهتدي الى سبيل، او شيء ادافع فيه عن نفسي.. امسكت بكيس كبير، مدت يدي ببطئ الى داخله لمست سائلاً لزجاً ، اخرجت يدي بسرعة زادت دقات قلبي، استجمعت شجاعتي،  مدت يدي مرة اخرى عدت مرعوبا الى الخلف ازدادت وتيرة انفاسي بتصاعد مستمر:
- ياالهي انه رأس إنسان!!. 
عدت مرة اخرى زاحفا نحوه تفقدته من الخارج هذه المرة، تأكدت بأنها ثلاثة رؤوس..كمية الرعب تكاد تفقدني اتزاني.. بل انها جمدت الدماء في عروقي..وانتفخت اوداجي..وجحضت عيوني التي كدت ابصقها من محاجري.. استجمعت قواي حدثت نفسي:
-لا داعي للخوف والقلق فبعد ساعات قليلة سأكون  في هذا الكيس، لا ادري اين يرمون بجسدي لكني متأكد ان رأسي سيكون هنا.. 
جاشت بي عاطفتي وسرحت في عالمهم، وانا افكر واستنطق مناحرهم لعلها تجيبني وتدر الدموع واستمع الى نشيجي فجلست  مخاطبا احد الرؤوس: 
-ماذا تفعل امك الآن هل علمت بك؟ هل قالت (مسيت العافية عليك يايمه)؟ تحسب كل يوم طولك على الجدار..تتحسس شاربك عندما ينبت.. تشم عطرك المنبعث من رقبتك.. واظنها تتسأل عن ذلك العطر هل لازال في نحرك.. قلبها الآن يخفق بقوة ويضطرب، يكاد يخرج من مكانه اشفاقا عليك، لأنه يعلم كل شيء. 
التفتُ الى الرأس الثاني وقلت له: 
-زوجتك الحبيبة مشتاقة لترى سنابل العشق في رموش عينيك، وجنة الأمان التي وعدتها، وانهار الحب وقصر الحنان، لتملئ البيت لها اولادا يسعدونها،  لقد قلبت جنتها لهيب شوق مستعر، وجحيم فراق مستمر، تلك الأحلام التي رسمتها في لوحة أيامها البيضاء بالوان الربيع الزاهية، مابالك اليوم اجمعت على تحويل حياتها الى ايام خريف بالية!!. 
سحبت الكيس وقربته أكثر لتتسرب قشعريرة برد في جسدي، اريد ان اقضي تلك الليلة بمونلوج وجع وحزن لعلي انعى نفسي قبل رحيلها، او اشق من جدار صمتي منفذا تتسربل منه روحي.. التي تكاد تخرج من بين مسامات جلدي وينقضي ذلك الوقت الذي يفصلني عن فصل رأسي. 
بعد مضي برهة ذلك الصمت توجهت للرأس الثالثة: 
- اين بنتك ذات الاربعة سنين الآن،  الا تشعر بها لقد فزت من نومها،  وهي تصيح ابي، يزداد حرقة صوتها ولهيب شوقها، تريد ان تنام بحضنك كما كل ليلة، الا تتحرك الا تنطق؟،  مطلوب منها هي ان تطالب برأسك كما فعلت رقية، اتريد ان تلفظ ابنتك اخر انفاسها وهي تحتضن رأسك. 
بين اسنة الرماح وقعقعة السيوف في احلامي، صحوت من اغفائتي فوجدتني متوسدا تلك الرؤوس، لم اعلم ان ليلتي انقضت مع تلك المناحر الا حينما دخل شابين يلبسان الزي العسكري،اجلساني وامسكا يدي واخذاني الى جهة الباب،لازالت الغرفة معتمة حين فتحوا الباب نظرت النظرة الاخيرة لرفقائي في تلك الليلة، فلمحت ان ما في الكيس ثلاث رؤوس دمى ملابس!!
اتجهت صوب الباب نصبت قامتي، هدأت نبضات قلبي، ضحكت في سري، بانت ابتسامتي، ظهرت من السر الى العلن فوق قسمات وجهي، مع قهقهة بصوت عال، تعجب منها السجانان، وعلامات الاستفهام تطرق رأسيهما، زاد تمسكهم بيداي قوة وعنفا، دخلنا دهليزا طويلا،انفرجت في نهايته ساحة كبيرة كان السياف منتظرا قدومي،ثلاث شبان معصوبي العيون جاثين على ركبتيهم، نظر الي السياف ابتسم بخبث رفع سيفه الى الاعلى صاح الله اكبر، فقطع رأس الاول ثم كبر الثانية والثالثة..، ونظر الي ضاحكا،.. انفغر فمي تعجبا، خفقان قلبي ووجيفه حطما ضلوعي... افلتت يدي بدون شعور، هرولت نحو الرؤوس، انها حقيقية والدماء لازالت حية، تصب مع كل نبضة، وتلك النحور تشخر بمرارة، اخذت اصرخ واصرخ لعله حلم لعلي استيقظ منه،  حاولت ضرب نفسي ، امسكوا يداي بقوة.. وضعوا قماشا اسودا على رأسي، انهارت قواي، استسلمت، غبت عن الوعي، ظننت انني قد مت، لولا اني صحوت على رائحة نتنة وانا نائم في حاوية نفايات معدنية بالقرب من منطقة سكني.