loader
MaskImg

السرد

يعنى بالسرد القصصي والروائي

راديو

breakLine

 

منى الصراف/ كاتبة عراقية


راعيّ يغازلُ شمساً حمراء عندَ الافقِ في اشراقتِها فوقَ تضاريسٍ جبليةٍ قاسيةٍ واغصانٌ عاليةٌ تعانقُ الريحَ ، يرتدي الكونُ وِشاحاً أخضر مع خِرافِ قَرِيتهُ ونايٌ لهُ يبثُّ موسِيقاهُ ،ويَنتشي على صوتِ مُذيعٍ براديو صغيرٍ كانَ قد امتلكهُ منذُ فترةٍ طويلةٍ لا يبث سوى محطةٍ واحدة فوقَ تلكَ الجبالِ وحينَ تنتهي فقراتُ هذا المذيعُ كانَ يغلقُ الراديو ويعزفُ على نايَهِ لترقصُ خِرافهُ فرحةٌ ، الراديو هو الشيء الوحيد الذي كان يربطهُ بهذا العالَمِ  ومن خلالِ صوت مذيعهُ الشجي تعلمَ إن قيمةَ السعادةِ في أن نُعطي قِلوبنا القدرة على النسيانِ لكلِّ إساءةٍ وأن نتعلمَ كيفَ ننْسى أخطاءَ الاخرينَ فجميعُنا قد يخطىء ويسيء ولكن افضلَنا المتسامحُ، لكنه لم يعرف الاساءةَ لخِرافهِ يوماً،كان يشعرُ بالغبطةِ مع المذيع حينَ ينقلُ للعالمِ خبراً مفرحاً ويحشرُ مَعَهُ في اليأسِ ان سمعَ صوتهُ حزيناً ،يشاطرُ مَعهُ الاحلامَ والامنياتِ ،يحبُّ قادةَ بلدانٍ دونَ اخرينَ ، وسحرُ اوطانٍ على غيرها وشعوباً ترزحُ لنيلِ الحريةَ واخرى تنعم بالحياة ترفضُ هجرةَ المظلومينَ إليها وتموتُ على حِدودِها قهراً . واليوم بعد ساعاتٍ طويلةٍ جالها مع خرافهِ استظلَّ بشجرةٍ وشغّلَ مذياعهُ ليسمعَ صوتَ رفيقهُ الذي احبّهُ ، لكنَ حلّ صوتاً آخر بَدَله سادَ السِكونُ عقلهُ وتساؤلات كثيرة راحتْ تجوبُ فكرهُ كيفَ سَيُصدق بصوتٍ لا يعرفهُ غلقَ المذياعَ على أَمَل تشغيلهُ مرةَ أُخرى ليعودُ صوتُ الصديق إليه لينقلُ له احداثَ الارضِ . 
لكن مرتْ ايّامٌ على هذا المنوالِ وهو ينتظرُ عودتهِ  شَعرَ بالحزنِ وراحَ نايَهُ  يعزفُ الوجعَ لخِرافهِ لدرجةِ أنها باتتْ حزينةٌ معهُ وتجلسُ حولهُ كأنٍها أرتدتْ السماءَ والارضَ مجلسُ عَزاءٍ له ..نامَ تحتَ ظلِّ الشجرةَ وصوتاً جاءَهُ مسَّ شغافَ قلبَهُ بعدَ ايامٍ طويلةٍ،فتح عينهُ فزعاً مَسَكَ المذياعَ
- لا لم يكنْ حُلماً هذا هو صوتُه حقا ، فتحَ اجفانهُ التي غفتْ على أملِ لقاءه من جديدٍ ، تلاشتْ جميعُ احزانهُ وحزمةٌ من ضوءٍ راحَ يشرقُ بها جسدهُ النحيل .كان موضوعَ حلقتهِ لهذا اليوم عن الحبِ والتعوّدِ وكيفَ أنّ الحبَ عميقٌ ولكنَ التعودَ عابرٌ فعمقُ الحبِّ وشغفهُ تتلاشى امامهُ سطحيةُ التعودِ فالتعودُ أنانيٌّ أما التواجدُ من اجلِ إسعاد شخصِ اخر هو الاكثرُ ديمومةً في هذهِ الحياةِ التعلقُ بشخصٍ يجعلانَكَ مقيداً وهُناك دائماً خوفٌ في أن يهجُرَكَ الرفيقُ . كان يسمعُ بكلَّ عمقٍ لحديثِ المذيع عرفَ حينها أنّ الذي يربطهُ به هو مجردُ تعوّد وتطبّع وتسلّطهُ على عقلهِ..  وقفَ بكلِّ ثباتٍ ومسكَ المذياعَ بيديهِ ورماهُ الى اسفلِ الوادي وراحَ يعزفُ العشقَ لحبيبتهِ التي تنتظرهُ كُلَّ مساءٍ .