loader
MaskImg

السرد

يعنى بالسرد القصصي والروائي

حبال الجسد

breakLine

 


كاظم حسوني | قاص عراقي


ارقصي أسرع دوري. الرقص سيكون مصيرك حتماً! سيمسك باللهيب والنار ويهمس في أذنك بسره فتفرحين كمن يعثر على يقينه الضائع! حينئذ تتقطع حبال الجسد وتسرح الروح. فتغني لك الأشجار والسحب والطيور.. أجل فليس ثمة بوح أبلغ من بوح الجسد! تمتعي بلذة الانعتاق.. التمرد.. لذة الحياة الهاربة). وبحركة ذراعه وإيماءة رأسه وعلى وقع النغم السريع ، تغمرها موجةً إغواءٍ لذيذ يأخذها فرح غامر، تتوقد روحها ، تهتز ، تتكسر حدود الجسد ينفلت حراً خفيفاً كمهر حبيس يحلم بخضرة البراري، يشدها هياج الرقص باندماج حميم حار مع إيقاع النغم في فضاء المكان وهو يرقص معها.. حولها.. فيها! يحيط بها مثل الهواء، أمام نافذتها مطلقاً أغانيه العذبة التي راح يرددها بعض المارة الذين يجذبهم الصوت، وتختزنها الأشجار ، يختزنها المدى، الآن الدقائق تواصل الطرق، ثمة زخات مطر مرح يهمي ناعماً لا يني يطرق الزجاج من آونة لأخرى؛ فيلتبس لديها وقعه المشاكس يتآمر على سمعها ويربك انتظارها، يتسارع إيقاع نبضها ، ما كان ينبغي له أن يجعلها تنتظر قدومه لحظة لا تعرف موعدها ، لحظة مقلقة غامضة، لحظة يتموج صوته عبر المطر ، مؤذنة ببدء رقصتها، هو ذا قريب منها لعله يترصدها من موضع ما، أو ربما يتسَكع تحت المطر، ترى ما الذي يمنع قدميه اللتين تريدان ان تدنوا منها؟ طافت بخاطرها الأسئلة، أردفت بعد برهة، لعله ترك لنفسه هذه المرة أن يرسل أغانيه ويطلق رقصته من مكانه خارجاً على مألوف عادته ؟. لكنما ساورها الشك في لحظة تالية مدركة أن للمطر صوتاً يسري في الجسد مثلما له رقصه وغناؤه وأصابع بلورية ناعمة تطرق الزجاج أيضاً!.


فجأة توقفت أفكارها وانتفض قلبها إذ سمعت موجة نقرات سريعة شديدة الكثافة هي ذات الإشارة التي طالما يرسلها لها حين يدعوها أن تغني! أفرحها النداء صاحت بتحد، أجل، سأغني وأرقص، هذه الليلة ليس أبهى منها شيء ولا أكثر، انها ليلة الميلاد، إشارة انطلاقها ومولد روحها الجديدة. وما إن ترنم صوتها في فضاء المكان دقائق قليلة حتى تغير إيقاع الطرق بفارق كبير في اللحن مجسداً نداءه لها لأن ترقص، أطرقت مثل طفل مبهور، قالت: تطمئن نفسها هو خلف النافذة حتماً، ووثبت في الحال ممتثلة لدعوته ، شرعت تتلوى تأتي ضرباً من حركات رشيقة وقد تجاوزت ذاتها للتو، ترنيمات والحان طالما حفظتها، راح جسدها كله يلتهب يطلق لغته، يصعد طاقته يتوثب بجمال آخاذ، والزهور تتضوع، تطير هي كفراشة وتغوص في لذة رقصها وغنائها، فيضيق المكان من حولها ، ولفرط نشوتها تتعثر قدمها في الجدار فتتهاوى من الرفوف أكاليل الورد، تنهمر مثل سحب ناعمة ملونة إثر ضربات ريح مصحوبة بزخات وابل المطر خلال النوافذ المفتوحة، تطايرت أوراق الورد وضج شذاها ورشت عذوبتها على وجه الفتاة ، ثم تهاوت أشلاؤها وسال رحيقها كأنهار صغيرة شفافة، لم تأبه ظلت كما الحمامة طليقة تطير، تطلق هديلاً عذباً محلقة في موجة انخطاف غريب ، انهمرت دموعها لفرط امتلائها بالسعادة ورغبتها الملحة للرجل.. وفي ذروة دورانها، طغى في الخارج إيقاع رقصة عالية وعزف رخيم على الزجاج ألهب روحها فتنة وفرحاً، فكفت في الحال عن رقصها، هرعت صوب خصاص النافذة وجدت الظلام مهيمناً ودهشت إذ داهمها رجل غريب من النافذة! رجل من مطر دخل بخفة محتضنا إياها باذرع حانية، أمطرها بقبلات حارة عنيفة! فاندفعت هي الأخرى فرحة تقبله تدفن وجهها في سيله المتدفق فاختلطت أنفاسهما اللاهبة، حتى ابتل شعرها وتعمدت بانهماره، فيما علا ضجيج صوتهيما وتصاعد وقع رقصهما بذهول لتستحيل هي مع حمى الرقص الى امراة من مطر.