loader
MaskImg

السرد

يعنى بالسرد القصصي والروائي

بلا نهاية

breakLine

 

بشرى محمد |كاتبة سورية

 

في عالمي الشرقي الصغير، أردت يوما أن أكون رجلا!
فالرجال هنا يملكون تاجا، وصولجانا.. أتاني ذات يوم محملا بخيباته، أزلت عن كاهلي خيباتي كي أحمل معه، ورحت أتلمس أماكن الجراح، جراحه الموشومة باسمها على قلبه منذ سنوات.. كان يهذي طوال الوقت، يقص لي حكاياهما، كنت أبتسم!
فقصص العشق تستهويني.
تذكرت سنوات مراهقتي، 
وأنا أرسم صورة لفارس أحلامي، أليس الرجل فارسا؟ هكذا تربى الفتاة في مجتمعي، تنتظر فارسها على حصانه الأبيض..
ربما لم أتخيله هكذا، بل لم أرده سوى شعاعا من أمان يحيط بي. كنت أحلم أن أكون فراشة، فبرغم هشاشتها وضعفها، كانت تمنح الربيع الحياة...
كنت أراه آتيا فاتحا ذراعيه بنور لطيف، فأدور حوله بمرحٍ
دون أن أحترق...
لله درها أحلامي البريئة، تبقى أحلاما، فالرجال ليسوا فرسانا، ولم أجد ذلك الرجل الملاك الذي ما إن يفتح يديه حتى ينسكب النور أنهارا على روحي..
لذلك أعتقد أنني بمنتهى السذاجة  حين فكرت أن أكون الفارس، 
أليس العطاء فروسية؟
أليس الحنان والصدق، والشجاعة فروسية؟
أن تقف في معركتك صامداً رغم أنك مثخن بجراحك، تحاول حماية القبيلة!
حين أتاني محملا بخيباته، اعتبرته معركتي، وغايتي 
إلى أن وقف أمامي ذات يوم عاريا، ليخبرني أنه اليوم قرر أن يولد، وأنه سيقطع الحبل السري ليصرخ في أحضاني أولى صرخاته، أرادني أمه فكنتُ...
من قال أنك تولد مرة واحدة؟ الولادة تماما كالموت تحدث بأية لحظة، وفي كل يوم...
هكذا يمد لك الأمل لسانه كلما أخذتك سكرة الموت ليخبرك أنك خسرت هذه المعركة، فلتولد من جديد...
وأنا ولدت معه ذلك اليوم، وخلعت عني درعي الفولاذي،
وقفت أمامه عارية وقطعت حبلي السري، وفي أحضانه صرخت صرختي الأولى...
وانتظرت انسكاب النور، وهو انتظر..
يبدو أن غريزة الأبوة لا تخلق مع الرجل كما تخلق غريزة الأمومة مع المرأة،  فيبقى هو طفلا... 
وأنا أكبر وأتوقف عن الصراخ فلا أم ترضعني!
اليوم قرر أن يموت، أن يرحل بصمتٍ كما يفعل الرجال عادة، قبل أن تكتمل الحكاية...
في مجتمعي الشرقي الصغير، إذا أردتي أن تكوني رجلا عليك فقط أن تبدئي الحكاية، ولتتركِ للنساء ردم التراب على النهاية...!