loader
MaskImg

السرد

يعنى بالسرد القصصي والروائي

باتريك

breakLine

 

 

 

هادية آمنة  | شاعرة وكاتبة تونسية

 

بمناسبة الاحتفالات بعيد ميلاد رئيس الجمهورية الفتيّة الحبيب بورقيبةصارت فاتن لصيقة بلولو، تعينها على تزويق وتجميل الفتيّات الصغيرات المجلوبات من المدن الداخليّة والأرياف. يُغنّين مادحات راقصات مقدّمات باقات الورود وقلائد الفلّ والياسمين إلى الزّعيم وحاشيته، مع تبجيل خاص لممثّلي دبلوماسيّة الدوّل الشقيقة والصديقة من العرب والعجم. بعد شخبطة الوجوه البريئة بالمكياج الرخيص تنصرف الصديقتان تسترقّان النظر والسمع مدقّقات في التّفاصيل المضحكة الجالبة للتفكّه و"التمقعير" من العارضين والعارضات ومن المتفرجين المصفقّين ومن المتفرّجات المزغردات في تملّق لكلّ كلمة أو جملة  تُشير إلى المجاهد ومناقبه وما أكثرها، يهتزّون أحيانا في وقار عجيب مع ضربات الطبلة والدّربوكة، يندفعون بعدها في حماسة النّهِم يطوفون بين الموائد المنثورة الممتلئة بصنوف العصائر والأطعمة والحلوى.
في الصّالونات الوثيرة الرّياش والزخرف وتحت الخمائل المعروشة ينتشرون، يحتسون الكؤوس فيتخفّفون من جمودهم، يتحدثون عن مشاريعهم وصفقاتهم فتعلو قهقهاتهم وتنساب لمساتهم على حريم البلاط في عفويّة المُستظلّ بقبّة السلطة.
لمحها بجسمها الكُمثري الملفوف في  فستانها القصير الأحمر ذي الرسوم المُزهرة البوهيميّة، تتهادى متوغّلة في ظلمة الممرّ المحفوف بأشجار الورد المؤدي إلى شاطئ النُزل اهتزّ خصرها النّحيل فتراقص شعرها الكثيف الطويل الأسود على عجيزتها المكوّرة، تبعها، تجاوزها ثمّ وقف في فجوة بين شجرتين ينتظرها. بالفرنسية قال: 
ـ مساء الخير مدام، لا تفهمين قولي؟  
رفعت كتفها وواصلت سيرها  
حيّاها ثمّ عاد أدراجه آسفا 
ـ أفهمك جيّدا  
التفت مندهشا وأسرع الخطى نحوها
ـ تتكلمين الفرنسيّة إذن، حسنا، أنت ذاهبة إلى الشاطئ؟ يمكنني مرافقتك  
ـ نعم 
مشيا في صمت، قطف وردة وقدّمها لها  قائلا 
ـ أرى سحر وجمال الشرق فيك سيّدتي
ضحكت في نشوة 
ـ السّخطة ما أحلاه
اتّسعت عيونه الزرقاء ونكش شعره الكثيف الذهبيّ
ـ لم أفهم 
فأعقبت ضاحكة 
ـ موش لازم، الله لا فهمت
مشت فاتن حافيّة نحو الأمواج المتكاسلة تشاغبت معها بقدميها، توقّفت ثمّ أشارت بإصبعها 
ـ من هنا فرنسا؟
ـ تقريبا 
ـ التفتت قائلة بنغمة طفولية
ـ أريد الذّهاب هناك.
ـ أمر سهل. تذهبين مع باتريك إن أردتِ؟
ـ باتريك؟
ـ إسمي باتريك جميلتي وأنت ما اسمك؟
ـ فاتن ويُمكنك إن أردت تدليعي قول فتّونة
ـ فا.. تو  نة... فتّوونة
أضحكها بطريقة نطقه لإسمها فقفزت كطفلة. مسكها ونظر في عمق عيونها الساحرة في وله. 
ـ يُمكنك زيارة فرنسا معي، عندك جواز سفر؟
كلام اللّيل مدهون بالزبدة هكذا أسرّت لنفسها ما كانت تدري أن هذا الفرنسيّ الموظف السّامي في سفارة فرنسا بتونس كان صادقا معها...!