loader
MaskImg

السرد

يعنى بالسرد القصصي والروائي

انهيار يوتيوبيا

breakLine

 

 


انهيار يوتيوبيا

أثارتْ ضرباتُ البندولِ في داخلِهِ تساؤلاتَ عدةً، كانَ أكثرُ ما علقَ ببالِهِ وضربَ ناقوسَ نهمِ عقلِهِ للجوابِ هو تساؤلٌ حولَ الفكرةِ.. تساؤلٌ أرّقَهُ دونَ أنْ يجدَ لهُ جوابًا شافيًا. 
بعدَ طولُ مكوثِهِ شاخصَ العينينِ إلى البندولِ تذكرَ أمرًا ما فتنفسَ الصعداءَ؛ تذكرَ أنّهِ منذُ أنْ ولدَ في قريةٍ تتوسدُ شاطئَ دجلةَ في عامِ 1803 ومنذُ أنْ وعى وعى على قراءةِ نفائسِ الكتبِ، واللقاءِ بمثقفينَ مخلتفي الاهتماماتِ ومتعددي الهواياتِ، مغرمًا بسماعِ النقاشاتِ الفكريّةِ والمحادثاتِ الهادفةِ ومختلفِ الأمورِ النافعةِ، والتي قد رسختْ فيهِ عدةَ ثوابتٍ ومسلماتٍ. 
فهو لا يظلمُ غيرَهُ رجلًا كانَ أو امرأةً، بلْ وينزلِ كلًّا منهمُ منزلتَهُ دونَ غلوٍّ ولا تفريطٍ، ويؤمنَ بإعطاءِ شقِّ الرجلِ حقوقَها كاملةً وينقمُ على منْ يسلبَها إياها، ويؤمنُ بتبادلِ الآراءِ وأنْ خلافَها لا يفسدُ للودِّ قضيةً، وأنْ الناسَ سواسيةً فلا فضلَ لأحدٍ على الآخرِ إلا بما فضّلَهُ ربُّهُ، ويؤمنُ بالسلامِ لمن سالمَ، ولا يقابلُ الإساءةً بمثلِها.. وأشياءَ أخرى كثيرةً من يسمعُه يتيقنُ أنّهُ عظيمُ في مجتمعٍ لمْ يعدْ كذلك.
ذاتَ يومٍ مشمسٍ ترسمُ نفحاتُ النسيمِ على ظفائرِ الأشجارِ لوحاتٍ أسطوريةٍ، وتعزفُ ألحانًا تفوقُ الوصفَ دخلَ على غرفتِهِ صديقُهُ سلامٌ بعدَ أنْ سألَ أمَّهُ فأخبرتْهُ بدخولِهِ قبلَ لحظاتٍ فلمّا دخلَ ذُهلَ لما رأى وتحنطَ في مكانِهِ، وحاولَ الهربَ لكنَّ قوةً ما قيدتْهُ عن الحركةِ وكأنّها تريدُهُ شاهدًا على حدثٍ جسيمٍ سيحدث.. 
فجأةً وجدَ سلامٌ نفسَهُ يتحركُ دونَ رغبةٍ منهُ ويتحسّسُ شريانًا فيهِ وإذا بهِ لا ينبضُ لمسَهُ أكثرَ من مرةٍ ولكنْ لا حركةَ تصدرُ.. صُعقَ سلامٌ وتكورَ على نفسِهِ على الأرضِ بجانبِ صديقِهِ؛ فقدَ خرجَ كتابٌ من مكانِهِ من الرفِّ وتلاشتْ أحرفُ عنوانِهِ وصفحاتِهِ.. نزلَ حتى صارَ قدامَ الاثنينِ قريبًا من الجثةِ وبحركةٍ زادتْ من ذعرِ سلامٍ تحركتْ إحدى يدي صديقِ وفتحتْ الكتابَ، كانتْ صفحاتَهُ بلا تسويدٍ بيضاءَ تشعُّ بنورٍ مرعبٍ، ثمَّ صدرَ من مكانٍ ما صوتٌ غريبٌ وبدأ بسردِ أسئلةٍ لم يفهمْ سلامَ منها شيئًا لكنَ اليدَ الميتِ صاحبُها كتبت: 
فضلتُ عشيرتِي.. ازدريتُ الخادمَ الأسودَ.. أكلتُ ميراثَ أختي.. صفعتُ زوجتِي أكثرَ مما لاطفتُها.. كلُّ فكرةٍ لا تناسبُني خاطئةٌ.. البشرُ لا يستحقونَ الاحترامَ.. الحقُّ ليَ وحدي.. أنا.. أنا ومن بعدي الطوفانُ.