loader
MaskImg

السرد

يعنى بالسرد القصصي والروائي

امرأة المسبح المنزلي

breakLine

 

محمد مزيد / قاص عراقي

 

أنا أكتب لكم بسرعة، كي لا تضيع الفكرة التي داهمتني صباح اليوم، الفكرة جاهزة، موجودة أمامي،  وضعت ثلاث بيضات في الغلاية كي اسلقها حتى أفطر بها، عادة أخشى ان تأخذني الكتابة فأنسى الغلاية والبيضات الثلاث،  ثم يحصل ما لا ينسجم مع حبور العائلة ، تقول الفكرة ، أن امرا جللا يحدث الان في حديقة جاري، وهو الغريب مثلي في هذه الديار البعيدة عن الوطن، بيننا جدار من السلك والقش، غالبا ما أتابع من خلاله مجريات حالة الجار، عبر ثقوب صغيرة احدثتها الأمطار الأخيرة. لا تتصوروا أبدا إنني انسان فضولي، لا هم له سوى مراقبة الناس، ويسعده خراب البيوت ، بل أنا أنسان موضوعي، أحتكم الى العقل في الكثير من قراراتي وتصرفاتي ، وبالوقت نفسه،  أنا أنسان عاطفي جدا ، أحزن بشدة لاتفه مصيبة، يقع فيها إي أنسان . أن سبب فضولي يعود الى أن جاري أنسان عصبي المزاج، وزوجته أنسانة محترمة، تتحدث بهدوء وسلاسة من دون أن تحرك يديها وقدميها أو رأسها، ولا ترفع خصلات شعرها الأسود الطويل، كما هو شأن معظم النساء اللواتي حين يتحدثن في اتفه الأمور، تعابير جسدها لا يدلل على عدم وثوقية بنفسها فيما تقول، على العكس من زوجها، اذ كلما اشتدت حاجته الى التعبير الجسدي يلجأ اليها بحركات نافرة ، أراه يفتقد فيها الى السداد في الرأي وغياب الحكمة في القول. 
لا أريد أدخالكم في هذه التفاصيل ، اذ انني مازلت بصدد عدم تضييع الفكرة ، فلما سمعت صوت الزوج الزاعق، هرعت من فوري اراقبه، عبر ثقوب القش بيننا، نظرت اليه فاذا به يجلس عند حافة المسبح وهو يزعف مثل الاطفال، لم أخبركم أن حديقة منزله عبارة عن مسبح، تحيط بها أشجار ضعيفة السيقان، لا أعرف اسماءها، تغمر المسبح مياه دافئة، فهما يسبحان فيه شتاء وصيفا ، قلت " هما " بمعنى انني كنت أراقب الزوجة أكثر من الزوج، الذي غالبا ما يطبطب بكرشه المتدلي مثل امرأة حامل بشهرها الثامن او التاسع وهو يسبح بصعوبة لاهثا مثل كلب لا تحمل عليه شيئا .
كان يصيح عليها وهو يجلس عند الحافة كما ذكرت، قدماه تتدليان الى الحوض، ماذا يريد منها؟ لا ادري، ولما خرجت المرأة من البيت، وهي ترتدي التراكسود الأصفر، انحنت على رأسه لتستفهم ماذا يريد منها، فأجابته بصوتها الناعس الجميل الذي لا اسمعه، اليوم هو الاحد، عطلة لدى الجميع ، يرف قلبي على المرأة الجميلة ذات الشعر الأسود والوجه الحنطي بعينيها العسليتين. دخلت الى البيت وانتظرت ماذا ستجلب له ، لاعرف سبب زعيقه ، وانا باشد اللهفة الى أن تخلع بنطلونها التراكسود كي تسبح كالمعتاد في هذا الوقت من الصباح ، بالمايوه الأزرق او الأحمر او الأصفر ، هذه الألوان حفظتها عن ظهر قلب . 
الفكرة مازالت امامي، وهي إنني أريد إيجاد حل لمشكلة هذا الزوج البقرة الحامل، لايقافه عن الزعيق والصراخ، في صباح جميل تظهر فيه الشمس بشكل خجول مثل هذا اليوم .. توقعت إنه جائع ويريد شيئا ليأكله، وهو بملابس السباحة ، غابت المرأة ثانية ولم تطل كثيرا ، كنت اخشى ان تستيقظ زوجتي من النوم، فتراني ابحلق بخفة وغباء، الى جارنا الرعديد الذي لا نحترمه لا انا ولا زوجتي، بسبب زعيقه المستمر على زوجته الجميلة الانيقة ... وفي لحظات صافية يتجلى فيها الجمال ، خرجت الزوجة الرشيقة بالمايوه الأزرق لتظهر جسدها كما لو كانت تمثال فينوس ، وهي تداعب خصلات شعرها التي تريد ان تلمها مثل ذيل حصان، وتضع القبعة البلاستيكية عليه ، كانت تقف وظهرها الى جدار القش بيننا ، لما وجد زوجها أن يديها فارغتان ، غضب عليها وصاح بها " اريد شيئا آكله " فهرعت الى البيت مرة ثانية . 
الفكرة التي تنتظرونها، وهي، إنها لما ذهبت مرة ثانية الى البيت ، عادت تحمل الغلاية نفسها التي وضعتها على الطباخ وفيها البيضات الثلاث .