loader
MaskImg

السرد

يعنى بالسرد القصصي والروائي

الزير سالم على طريقة أبي

breakLine

 

فاتن حيدر | شاعرة وكاتبة سورية


بعد الانتهاءِ من واجباتنا المدرسيةِ، وحلولِ الظلام كنا نصطفُّ في غرفة أبي الكبيرةِ، أنا واخوتي الخمسة بعد أن تضعَ أمي لكل واحد منا، أو لكل أثنين  فراشاً من الصوف، ونستلقي الى جانب بعضِنا (على طلب أبي) ونحدّق بتلك الاخشابِ في سقفِ الغرفة القديمة، ريثما يحين موعدُ بدءِ الحكايةِ، ونحن بشوقٍ وشغفٍ للاستماع.
أبي رحمه الله كان مثقفاً جداً  وكان يحثُّنا على القراءة والدراسة، ولذلك اشترى مجموعةً كبيرةً من القصصِ والكتبِ، والدواوينِ الشعرية، لشعراءِ العصر الجاهليّ، وكان دائماً يقرأها في أوقاتِ الفراغ..
ها قد بدأ بالسرد، فلنصمت جميعاً، وعلينا أن نتخيلَ الأحداثَ بناءً على ذكاءِ وبراعةِ أبي في طريقةِ تمثيلها  وتشويقنا.
قال الزير سالم:
قام جساس بالغدرِ، وها هي الجليلة ومن ثم البسوس والأسماء تتوالى في ذاكرتي وكأنني الآن أحضرُ أحداثَ القصة!
غريبٌ أمرُ أبي، كيف استطاع أن يثبِّتَ في أذهانِنا كلَّ تلكَ الأحداثِ بهذه السهولةِ والبراعةِ؟
وفي منتصف الحماسِ والفضول لِمعرفة ما سيجري لاحقاً، وفي نقطة حاسمة جداً، كان يتوقفُ عن الكلام ويقول لنا: 
تصبحون على خير، وسنكمل غداً...!
وهنا كنا نغمض أعينَنا مرغمينَ، ونتمنى أن يأتيَ اليومُ التالي بسرعةٍ، لكي نعرفَ ماذ سيحصل؟!
لقد أمضينا أشهراً هكذا، وكأننا نشاهدُالتلفازَ، وكنا سعداءَ جداً بسماع تلك القصص على طريقة أبي.. الذي تميّزَ بذكائه الخارقِ وعقلِهِ الراجح؛
( آه كم أشتاق أيام أبي )