loader
MaskImg

السرد

يعنى بالسرد القصصي والروائي

الخيار الأخير

breakLine

 

غزلان شرفي | قاصة مغربية

وهي تمسح الغبار المتراكم فوق قطع الأثاث الموضوعة في زوايا غرفتها المستطيلة الشكل، لمحت انعكاس صورتها في المرآة البيضوية، ذات الإطار النحاسي الباهت، والتي أهملت تلميعها منذ وقت طويل، استطال إلى ما لا نهاية داخل وجدانها المتشظي.
امتدت أناملها الرفيعة نحوها، ورفعتها قبالة وجهها، ليطالعها شبح امرأة كانت في الماضي البعيد تتفجر حيوية وأنوثة، واليوم لم يتبق منها إلا حطام لملمت بعض أجزائه، ووضعتها بكيس مغلق وأوصدت عليه خافقها...
رفعت يدها إلى وجهها تتحسس الأخاديد العميقة التي شقتها دموع سكبتها مآقيها بسخاء،حتى جرفت معها كل إحساس لها بطعم السعادة والحياة، تلك السعادة التي اختزلتها في صغيرها، الذي هتك ستر وحدتها بقدومه إلى دنياها التي منحتها لقب (مطلقة) وهي في ريعان شبابها، جراء رعونة زوج، ظنت أنه سيكون الحضن الدافئ لها،بعد وفاة والديها، واختيار أخيها العيش في الضفة الأخرى حيث فرص العمل،ورغد الحياة...
لطالما حاول استدراجها للحاق به إلى هناك، حيث لا نظرات تخترق حميميتها، وتهين كرامتها،ولا أحكام مسبقة لمجرد حمل لقب لاحول لها فيه ولاقوة..
لكن،كيف السبيل إلى المغادرة رفقة وحيدها أمام تعنت الأب وتجبره؟
كان عليها أن تختار بين أمومتها وبين حريتها! وقد اختارت دون أدنى تردد...
وبمجرد ما اشتد عود الفتى وصلُب، ووُضع في مقارنة بين حياته مع والدته في حجرتها الخانقة، وبين عيشه في كنف والده،حيث الرحابة والسعة والحرية، حتى اختار دون أدنى تردد،موليا ظهره لمن دفعت ثمن تربيته دموعا، إيثارا ووحدة.
أعادت المرآة إلى مكانها، وأطلقت تنهيدة حسرة حرّى من صدرها، بعدما جف معين دمعها، واستأنفت تنظيف أثاثها، ولسان حالها يقول: "ياليتني أستطيع تنظيف صدري من الأحزان العالقة به كما أستطيع إزالة بقايا الغبار... لكن... هيهات..."