loader
MaskImg

السرد

يعنى بالسرد القصصي والروائي

أرشيف تسجيلات الأيام الأولى للجائحة

breakLine

 

 

خلف حسين | قاص عراقي


بعد مرور أكثر من عام على تفشي الفيروس، استهلال ممهد للولوج بمشهد من حياة عاصفة بروائح الموت المبعثر إذ يمثل ذلك المشهد اختزالاً للمرحلة اللانهائية قبل الاجترار نحو افواة المقابر، ثلاث لقطات تراجيدية خاطفة للإحاطة الممهدة لما هو قادم اقتنصتها عين الكاميرا المطلة على فضاء الردهة وجدرانها التي تحاصر حياة هلامية جائزة في ثقب الموت المظلم، حياة متموجة تلطم السنتها حواف فوهة الموت الوشيك غالباً والمؤكد دائماً، هي لعاب يتدلى من أفواه مقابر مفغورة كذئاب جائعة تتربص بفرائسها الواهنة ثلاث لقطات خاطفة تمثل إيقاف مؤقت على حدبات مجرى الزمن المتعرج الذي يشبه غصناً متعرجاً تتفرع منه أغصان شوكية متشعبة، وفي كل منعطف محدودب يوقف جربانه ارتطام مروع من أعالي فضاء الحياة إلى قعر الموت :

لقطة موت معاون طبي يبدأ صوته يضعف يرفس طرف البطانية بقدميه باهتياج، مما يتسبب باهتزاز قضبان السرير حتى اقتلع أنابيب التنفس وراح يرتفع بكل جسده إلى الأعلى ويرتد فيرتطم على الفراش عدة مرات بعدها شهق شهقة أخيرة ليبقي عينيه شاخصتين نحو السقف وينطفى تماماً.


لقطة موت مرافق مريض يختنق فيبدأ بالتململ والرفس ترتفع حرارته يصرخ بوهن يفرك رقبته بتململ، يتمايل برأسه يميناً وشمالاً باضطراب فيتجمد عن الحركة تماماً.

لقطة موت سائق إسعاف، يبدو عليه الوهن وفقدان الطاقة ينفرج فمه عن ابتسامة بلهاء، ابتسامة المنتصر الذي أرهقته الحرب فيرفع إصبعي النصر بوهن أمام الكاميرا لكنه سرعان ما ينزل يده بإرهاق ليرقد في نوم سرمدي.

كانت اللقطة الأخيرة التي رصدتها كاميرا المراقبة في المستشفى هو مشهد استخراج ثلاثة أسرة تحمل ثلاث جنائز مغلفة بأكياس بيض من ردهة العناية المركزة.

مات المعاون الطبي ومات مرافق المرضى ومات سائق الإسعاف، فقام كبير الأطباء في مستشفى ابن الخطيب واتجه ناحية الشاشة التي عرضت المشهد كاملاً فأوقف المشهد عند لحظة استخراج جثثهم من باب ردهة العناية المركزة وانحنى تحت الشاشة إجلالاً لأرواحهم، ومثله فعل بقية رجال الطاقم الطبي فساد الصمت ومرت لحظة خرساء من الوجوم والتصلب تشبه اللحظة التي ينحني فيها الجنود الأحياء أمام جثامين رفاقهم الشهداء بعد انقضاء معركة جزئية من حرب مستمرة.