loader
MaskImg

حوارات

عازفة الغيتار سوزان محمد: " المجتمع العربي ما زال يعيش على أمجاد الماضي الموسيقية"

breakLine

 

حاورها الكاتب السوري إبراهيم الزيدي

 

 

▪▪


حين رأيتها وهي تعزف، أدركت بما لا يقبل الشك أن (على هذه الأرض ما يستحق الحياة). امرأة أدركت (خوف الطغاة من الأغنيات)، فاحتضنت غيتارها، وراحت تعزف تلك اللغة التي تأخذ المستمعين من أنفسهم، دون أن يعرفوا لماذا، وكيف؟ 
سيدة قيل لها: إن الحياة ممكن أن تكون غلطة، فعزفت؛ لتلغي هذا الاحتمال. وألغت معه احتمال أن تكون لاعبة محترفة بكرة السلة، وصحفية في أكثر من صحيفة، وموظفة في إحدى الشركات، وتفرغت للموسيقى!
لست مولعاً بالغيتار، هذا ما كنت أظنه. إلا أنني حين رأيت أناملها وهي تحطّ، وتطير؛ كسرب عصافير؛ على أوتار الغيتار؛ آنذاك تذكرت فرجينيا وولف؛ وقلت في نفسي: ليعرف الناس القيمة الحقيقية للحياة، لا بدّ لأحدهم أن يعزف الموسيقى.
لم يكن الغيتار بالنسبة لسوزان آلة موسيقية، كان نافذة بجانب روحها، مذ كانت طفلة. نافذة مفتوحة حيناً؛ ومغلقة أحيانا؛ حسب تقلبات طقس مستقبلها الذي كانت تتقاذفه المصادفات، وظروف الهجرة من لبنان إلى سورية. لقد أرادت سوزان أن تكون حرة، كل طرق الحياة التي سلكتها كانت الحرية فيها مؤقتة، فتعلمت العزف على الغيتار لتكون حرة إلى الأبد. لم تستطع سوزان خيانة تلك النافذة التي بجانب روحها، وتتركها مغلقة؛ ففتحتها لتدخل منها تلك الأنغام التي تأخذك من نفسك، إلى نفسك.
بدأت سوزان حياتها كرياضية في فريق كرة سلة، وقد ساعدتها قامتها الممشوقة على أن تتصدر المشهد بين قريناتها من اللاعبات، إلا أنها لم تجد نفسها بتلك اللعبة. وقع اختيارها الثاني على الصحافة، وراحت تكتب؛ مضت السنين؛ وكلما تأملت ذلك الطريق، تجد نفسها غريبة فيه! فقررت البحث عن عمل وظيفي، لم تكن آنذاك تدرك ما تريده، كانت تبحث عن نفسها دون أن تدري، التحقت بالعمل في إحدى الشركات الخاصة، وعاشت تحت وطأة روتين العمل الوظيفي سنوات عديدة، وبقي الغيتار مركوناً في إحدى زوايا غرفتها، يطويه النسيان. تنظر إليه بعين الرغبة؛ وينظر إليها بعين العتب. لم تكن تدرك أن تلك الآلة ستكون ذات يوم جسراً بينها وبين كل شيء، الناس؛ والمال؛ والشهرة؛ والمعجبين؛ والحياة؛ والحب. لم تكن تدري أن حياتها ستتمحور حول تلك الآلة، إلى أن تخلت عن الرياضة والصحافة والوظيفة، وآمنت بالموسيقى
في لقائنا لم نستطع تفسير الموسيقى، فالموسيقى كالحب، لا يمكن تفسيرها. سألتها: هل للموسيقى أجنحة؟ فقالت: لا .. ولكنها قادرة أن تجعل عشاقها يطيرون. قلت لها: ثمة استحضار للحب في حديثك عن الموسيقى، ما هو وجه الخلاف بينهما؟ فأجابت: الحب ممكن أن يتحول إلى ذكرى، أمّا الموسيقا فلا. 
امتلأت بيننا منفضة السجائر أكثر من مرة، وبين فاصل موسيقي وآخر، كنّا نجدد فناجين القهوة. وكالعادة في حواراتي مع الآخرين، كنت أملأ فراغ الوقت بالابتسامات، التي تستدرج الآخر للحديث حول الموضوع. وهذا ما حدث؛ فقد استطردت سوزان وهي تتحدث عن الإنسان بصفته ابن الطبيعة، وراحت تستعرض الأصوات، وتنسبها للموسيقى، صوت الرياح؛ المطر؛ حفيف أوراق الأشجار؛ زقزقة العصافير؛ هديل الحمام؛ صوت الأمواج، خرير الجداول، فوجدتني أعيش مع فرقة موسيقية هائلة الأنغام؛ متعددة العازفين؛ دون أن أنتبه لتلك السيمفونية التي لم تتوقف يوماً عن العزف!
ما الذي يمكن أن تخبريني به عن سوزان؟
-هناك أكثر من سوزان، تخليت عن الكثير منهن، وتحولن إلى ذكريات، يمكنني استحضارهن إذا شئت؟

أريدك أن تخبريني عن سوزان التي تحبينها؟
- سوزان التي أحبها، هي التي أمامك الآن، سوزان التي تحتضن غيتارها، ولولا ذلك الغيتار لما كنت الآن تجري هذا الحوار معي، هذا الغيتار قدمني إليك، وللمجتمع أيضاً. وقبل هذا .. وذاك؛ فإن هذه العلاقة بيني وبين الغيتار، هي التي جعلتني سوزان، سابقا كان اسمي مجرد اسم، يمكن استبداله بأي اسم آخر، الآن أصبح اسم سوزان اسماً خاصاً مرتبطاً بفعالية خاصة، أي تعديل عليه يبعد الاسم عن الفعالية، عن القيمة التي اكتسبها الاسم من تلك الفعالية.

ثمة حديث عن الموسيقى البديلة، ماذا تقولين عنها؟ 
-ليس لدي معلومات كافية عنها، ما أعرفه عنها أنها مختلفة، فهي لا تخضع لشروط الشركات، وأعتقد أن التراكم سيمنحنا فرصة تقييم أثرها. أماّ الآن فإن المجتمع العربي ما زال يعيش على أمجاد الماضي الموسيقية.
كيف تفسرين إقبال الناس على تعلم الغيتار؟
-ثمة جيل جديد، جيل يتطلع إلى ما يراه على شاشات التلفزيون، جيل يمكنه أن يبحث في الأنترنت عن كل ما يجري في العالم. هذا الجيل لم يعد ممكناً ضبط أهوائه، ورغباته. هذا الجيل عرف الغيتار، وثمّ سبب آخر، وهو الأثر الذي يتركه الموسيقي في نفوس الحضور بعد الحفلات التي يحييها.
لم ينته الحوار بيني وبين عازفة الغيتار سوزان محمد، انتهى ما يمكن كتابته، وبقيت الكثير من الأسئلة التي أعيتني صياغتها، فالموسيقى علم لا يمكن التطاول عليه.