loader
MaskImg

حوارات

حوار مع المخرج والناقد المسرحي ياسر البراك

breakLine

المخرج والناقد المسرحي ياسر البراك:

 

 

"مسرح المقهورين" فكرة غريبة عن السائد المسرحي 
 

 

حاوره - عدنان الفضلي

 

ياسر عبد الصاحب البرّاك إسم مهم في عالم المسرح العراقي والمشهد الثقافي بصورة عامة، فهو مثقف متعدد الإشتغالات وأكاديمي بارز ويحمل بداخله الهمين الوطني والثقافي لذلك تجده متواجداً في الأمكنة التي يجدها بحاجة ماسة للتفعيل، فهو فضلاً عن كونه كاتباً وناقداً ومخرجاً مسرحياً وأكاديمياً جامعياً، تجده ناشطاً في مجال العمل الإحتجاجي الوطني وكذلك في الفعل الإنساني، وقد كانت له بصمات كبيرة في المشهد الثقافي لمدينة الناصرية بصورة خاصة وفي المشهد المسرحي العراقي بصورة عامة حيث ترأس اتحاد الأدباء والكتاب في ذي قار لدورتين متتاليتين وشارك في أغلب المهرجانات المسرحية العراقية والعربية كاتباً ومخرجاً وناقداً ومحكماً.
ولمعرفة تفاصيل أخرى عن إبداعاته كان لنا هذا الحوار معه ..
* بعد سقوط الدكتاتورية ، وعشرين سنة من التغيير السياسي ، هل مازلنا نعيش معاناة الهامش والمركز مسرحياً ، تلك الإشكالية التي عملت أنت عليها بشكل مبكر عبر فرقتك المسرحية ( جماعة الناصرية للتمثيل ) التي أسستها عام 1992 ؟
- بصورة نسبية : نعم ، ولكن ثمَّة متغيرات واضحة طرأت على المشهد المسرحي في العراق عموماً خلال هذه المدة أولها : تضاؤل الرقابة والمنع الذي كانت تتعرض له الكثير من المسرحيات في زمن الدكتاتورية ، خاصة تلك التي لا تتماشى مع منهج النظام السياسي ومنهجه الإستبدادي وقتذاك ، وشخصياً مُنعت لي ثلاث مسرحيات هي : الوباء الأبيض عام 1994 ، و الرخ عام 1998 ، والدرس عام 2002 ، فضلاً عن إنتقال مركز الثقل المسرحي من العاصمة بغداد خلال الأعوام 2004 – 2011 إلى العديد من المحافظات العراقية خاصة في الوسط والجنوب والشمال العراقي بسبب الحرب الطائفية التي تركزت أحداثها في العاصمة الأمر الذي أثّر بشكل واضح على المركز المسرحي لينتقل إلى الهوامش المسرحية في المحافظات ، لذلك بدأنا نشهد في العشرين سنة الماضية إقامة العديد من المهرجانات المسرحية في تلك المحافظات ، وقيام العديد من الفرق المسرحية بالمشاركة في المهرجانات العربية بعد أن كانت فرق العاصمة وخصوصاً التابعة لدائرة السينما والمسرح تحتكر تلك المشاركات قبل عام 2003 ، لذلك يمكن القول أن أبرز ظاهرة مسرحية أفرزها التغيير السياسي بعد سقوط الدكتاتورية هي صعود الهامش المسرحي على حساب المركز ، لكن بمجرد نهاية الحرب الطائفية وإستقرار الوضع الأمني نسبياً في بغداد ، عادت العاصمة تمارس دورها المركزي من جديد ولكن ليس بتلك الحدَّة التي كانت قبل التغيير السياسي ، فضلاً عن أن المحافظات أو الهوامش المسرحية كرّست تجربتها في الصعود نحو المركز لتكون نداً واضحاً للعاصمة بمنجزها المسرحي .
* هل أنصفك النقد مخرجاً وباحثاً وناقداً أيضاً ؟
- بالتأكيد لا ، لأن معظم الأعمال المسرحية التي قدّمتها في مدينتي الناصرية لم تُسلّط عليها الأضواء النقدية بسبب بُعدها عن العاصمة أولاً ، وعدم وجود نقاد متخصصين يتابعون حركة المسرح في الناصرية بشكل جيد – مع إستثناءات نادرة طبعاً - ، فضلاً عن تأثير آفة خطيرة يعاني منها النقد المسرحي في العراق عموماً وهي المجاملات والإخوانيات التي يمكن أن ترفع عملاً بسيطاً إلى السماء ، وتطيح بالأعمال المبدعة إلى الأرض ، وعلى الرغم من أن تجربة جماعة الناصرية للتمثيل عموماً وتجربتي الإخراجية خصوصاً قد تم تناولها في العديد من رسائل الماجستير وأطاريح الدكتوراه ، لكنني أشعر أن في التجربة مخزونات إبداعية كبيرة يمكنها أن تكون مادة مهمة للكتابة النقدية والبحث العلمي فيما إذا توافر لها الناقد الحاذق أو الباحث الذي يجيد التعامل مع هذه التجارب التي تولد أعمالها في ظروف إنتاجية وتقنية وجغرافية صعبة جداً ، إن لم أقل قاهرة . وشخصياً أعوّل على المستقبل كثيراً في فهم وتأطير هذه التجربة الإبداعية من نقاد ربما لم يولدوا بعد لذلك أنا حريص كل الحرص على توثيق وأرشفة كل ما يتعلّق بهذه التجربة من وثائق وصور وفيديوات ونصوص وبروشورات وصحف ومجلات لتكون في متناول الباحثين والنقاد الذين سيأتون بعدنا ، فلعلَّ في ذكرهم لنا ودراستهم للتجربة بعد رحيلنا عن هذا العالم عزاءً لنا يعوّض حالة التهميش والإقصاء التي نعيشها في مدننا المنسية .   
* تجربة مسرح المقهورين التي أطلقتها في مدينتك عام 2016 تبدو فكرة غريبة عن السائد العراقي ، هل من تعريف مختصر لها ؟
- هي بالفعل فكرة غريبة عن السائد المسرحي لسببين ، أولهما : أن المسرح العراقي قد أغرق نفسه منذ عام 2003 وحتى الآن في الخطابات النخبوية التي تبتعد في أطروحاتها المسرحية والجمالية عن الجمهور العام . والثاني : ضعف البحث المسرحي التطبيقي لدى الكثير من المسرحيين خاصة أولئك الذين يحملون شهادات عليا في المسرح ، لذلك رحت أُنقّب في هذه الإشكالية محاولاً إيجاد الحلول لها عبر الذاكرة المسرحية العالمية المليئة بالأساليب والمناهج والإتجاهات المسرحية التي يمكن توظيفها في تقريب المسرح من الجمهور أولاً ، وتغيير الصورة النمطية التي تشكَّلت في عقله عن الواقع البائس والمبتذل والمتعالي للمسرح في العراق عبر الإتكاء على الإرث المسرحي العالمي ومتحققاته الفنية والجمالية والتواصلية مع الجمهور العام . وقد وجدت في تجربة المخرج البرازيلي أوغستو بوال في ( مسرح المقهورين ) أو ( مسرح المضطهدين ) خير عون لتحقيق هذين الغرضين ، وبالفعل قمت بعمل ورشة مسرحية لأكثر من شهرين تعلم فيها أكثر من عشرين متدرباً آليات هذا المسرح في التوجه للجمهور وتقنيات الممثل فيه لنخرج بعمل مسرحي مميز في عام الورشة نفسه ( 2016 ) ونقدم مسرحية ( ورطة ) المأخوذة عن مسرحية ( الفيل يا ملك الزمان ) للكاتب السوري سعد الله ونوس بعد أن جرى تكييفها دراماتورجياً لتتناسب مع إشتراطات مسرح المقهورين ، وبالفعل نجحت التجربة مع الجمهور نجاحاً غير متوقع بعدما حولنا الجمهور من متفرج سلبي إلى ممثل إيجابي يساهم في صناعة العرض المسرحي عبر فعل الإرتجال الآني والتمثيل مع الممثلين الذين كان أغلبهم يعتلي خشبة المسرح لأول مرة ، ثم أتحفناها بعد ذلك بمسرحية ثانية هي ( مفتاح الفرج ) عن مسرحية ( تخاريف الربيع ) للكاتب العراقي عمار نعمة جابر بعد أن تم تكييفها أيضاً بطريقة دراماتورجية لتتناسب مع رؤية الإخراج من أجل تقديمها في فضاء مفتوح بعد أن قدمنا التجربة الأولى في فضاء مغلق ، وأيضاً حصلت التجربة على أصداء أوسع من الأولى بسبب توجهها نحو الجمهور العام في الشارع ، والساحة الرئيسية في مدينة الناصرية ( الحبوبي ) ، وكذلك كورنيش نهر الفرات عاملين على تعدد الفضاءات فيها بشكل لافت للنظر .
* مسرحة تشرين وفكرتك الجديدة بتأسيس فرقة مسرحية ذات توجه إحتجاجي هل لاقت تفاعلاً في الوسط المسرحي ؟
- لا يعنيني الوسط المسرحي – على الرغم من أهميته – بقدر ما يعنيني الجمهور العام وكيفية التواصل معه ، فالمسرح خُلق ليكون للناس عموماً ، وليس لفئة من النخبة الذين يذهبون للمسرح من أجل التسلية والمتعة وقضاء الوقت . لذلك أنا دائم البحث سواءاً على المستوى النظري أو التطبيقي في الكيفية التي يمكن عبرها ردم الهوّة الكبيرة بين ما نقدمه من مسرحيات والجمهور العام من دون التفريط بالشروط الجمالية لبنية العرض المسرحي ، وهذا ما دفعني إلى السعي لتأسيس فرقة مسرحية جديدة أعضاؤها من متظاهري الإحتجاجات السلمية التي بدأت في الأول من تشرين الأول عام 2019 ، بمعنى أنهم لم يخوضوا تجربة المسرح سابقاً ، فعملت على تعليمهم أبجديات المسرح وأساسياته على مدى شهرين عبر إسلوب العمل الورشوي الذي إعتمدت فيه تكنيك مسرح الشارع والفضاءات المفتوحة في تدريب الممثل ، فضلاً عن التركيز على الخطاب الإحتجاجي في العرض المسرحي الذي كان من تأليف أحد المتظاهرين أيضاً وهو الشاب ( حيدر حسين ) الذي تقدم لي بنص مسرحي مميز بعنوان ( الغايب ) تناول فيه ظاهرة المختطفين والمُغيبين التي مارستها الميليشيات المسلحة ضد متظاهري تشرين بقسوة كبيرة منتهكين حقوق الإنسان وفي مقدمتها حق التظاهر السلمي . والعمل في واقع الحال سردية مسرحية مهمة تُعلّم الشباب الذين عملوا معي على توظيف المسرح في الإحتجاج السلمي بعد أن عملت الأحزاب الممسكة بالسلطة على تشويه الحراك الإحتجاجي عبر زج العديد من المجاميع الفوضوية لحرف الإحتجاجات عن مسارها السلمي . لقد حوّلنا العرض في نهاية المسرحية إلى تظاهرة إحتجاجية تطالب بالكشف عن مصير المختطفين والمغيبين وفي مقدمتهم الشاب الناشط في تشرين ( سجاد العراقي ) . 
والفرقة التي أُسست في الأول من تشرين الأول 2022 لديها برنامج طموح لتقديم العديد من المسرحيات التي تتناول أحداث ثورة تشرين وقصصها وشخصياتها ورموزها في محاولة منا للتذكير دوماً بهذا الحدث العظيم أولاً ، ولإحياء الوجود المعنوي لتلك الشخصيات خاصة الشهداء منهم ، فضلاً عن مواصلة الفعل الإحتجاجي عبر تقديم العديد من المسرحيات التي تعرّي الطبقة الحاكمة ومنهجها في قمع الحريات وتكميم الأفواه وقيادة الوطن ومستقبله وشعبه نحو المجهول .
* أرى أن إهتمامك لا يقتصر على فرقتك المسرحية ( جماعة الناصرية للتمثيل ) ، وتأسيسك مؤخراً لــ ( فرقة تشرين المسرحية ) ، بل تعدّى ذلك الى الجامعة عبر تأسيس ( فرقة المسرح الجامعي ) فهل يمكن أن توضح لنا لماذا المسرح في الجامعة ؟
- واحدة من الجرائم الثقافية والفنية التي إرتُكبت بحق مدينة الناصرية هو حرمانها من إستحقاقها في تأسيس كلية للفنون الجميلة على الرغم من إمتلاكها لكل مقومات التأسيس فقد تأسست جامعة ذي قار عام 2002 وفيها أكثر من عشرين كلية متعددة الإختصاصات إلا تخصص الفنون الجميلة لم تفكر به الجامعة مطلقاً منذ 21 سنة ، ولن تفكر به – للأسف - حتى بعد 21 سنة قادمة أخرى . ولأنني أعيش في الميدان وأُدرك هذه الحقيقة المؤلمة لذلك سعيت منذ عام 2005 لتأسيس ( فرقة المسرح الجامعي ) بهدف تنشيط المسرح في الجامعة عبر إكتشاف مواهب الطلبة والطالبات التمثيلية وتطويرها بالتدريبات المستمرة ، وبالفعل أسفر ذلك عن أول عمل للفرقة مسرحية ( الشاعر والمخترع والكولونيل ) للكاتب الإنجليزي بيتر أوستينوف ، ووقتها إستعنت بعدد من أعضاء فرقتي جماعة الناصرية للتمثيل لأستكمل فريق العمل الذي شاركنا به عام 2005 في مهرجان المسرح الجامعي الذي أقامته جامعة القادسية آنذاك وحصلنا فيه على ثلاث جوائز ، وقد توقف نشاط الفرقة لأكثر من عشر سنوات بسبب تفرغي للدراسات العليا في الماجستير والدكتوراه ، ثم بعد تخرجي في جامعة بابل عاودت نشاط الفرقة من جديد بعمل جديد عام 2016 بعنوان ( إطفائيثيوس ) تأليف الكاتب علي عبد النبي الزيدي وإخراج الدكتور فيصل عبد عودة ، وحصد هذا العمل جائزة التمثيل مناصفة في المهرجان الوزاري الأول الذي تُقيمه وزارة التعليم العالي سنوياً في أحد الجامعات العراقية . وحرصت على أن يكون للفرقة حضورها الواضح في هذا المهرجان السنوي عبر إشرافي على الأعمال المسرحية وإعداد وتدريب كوادر من الطلبة ممثلين ومخرجين ، وقد أسفر هذا السعي عن تقديم ثلاثة مخرجين من الطلاب في كلية الإعلام ليمثلوا الجامعة في ثلاثة مهرجانات وزارية متتالية ، فقدمت الفرقة مسرحية ( قاع ) تأليف عمار نعمة جابر وإخراج الطالب حمود زهير في المهرجان الوزاري الثاني عام 2017 وحصلت على جائزة أفضل عمل في المهرجان ، وقدمت مسرحية ( حقائب ) تأليف عمار نعمة جابر وإخراج الطالب علي جاهل في المهرجان الوزاري الثالث عام 2018 وحصلت على ثلاث جوائز في المهرجان ، ثم قدمت مسرحية ( الصخرة ) تأليف فؤاد التكرلي وإخراج الطالب سجاد حسين في المهرجان الوزاري الرابع عام 2019 وحصلت على جائزة أفضل عمل في المهرجان ، وقامت وزارة التعليم العالي بترشيح هذا العمل ليمثل جامعات العراق في مهرجان المنستير الدولي للمسرح الجامعي في تونس في العام نفسه لكن الجامعة لم تتفاعل بشكل إيجابي مع هذا الترشح وحرمت الفرقة من المشاركة الدولية . والآن بعد توقف دام لأكثر من ثلاث سنوات بسبب تظاهرات تشرين والإضراب العام للجامعات وجائحة كورونا تستعد الفرقة للبدء بنشاطاتها المسرحية من جديد لتوسيع مساحة القبول المسرحي في الفضاء الجامعي .