loader
MaskImg

حوارات

حوار مع القاص إبراهيم سبتي

breakLine

 

القاص والروائي ابراهيم سبتي :

الاستعانة بشخصيات من الواقع لا تسقط النص في براثن التقليدية 

حاوره - عدنان الفضلي

 

يعدّ القاص والروائي إبراهيم سبتي أحد العلامات الفارقة في المشهد السردي العراقي، بل ويمكن القول أنه يتواجد بقوة أيضاً في المشهد العربي، فهو سارد يمتلك أدواته الخاصة، ويتمتع بقدرة تخيّلية كبيرة، كما أنه أحد المبتكرين القلائل الذين يبتكرون شخصياتهم، فتارة يأتي بها من الواقع، وفي نص آخر تراه يستدعي الشخصيات من تواريخ سابقة، وأحياناً يضعنا قبالة شخصيات نسجها من مستقبل يؤمن به.

وهذا السارد الذي إنطلق منذ ثمانينيات القرن المنصرم حقق منجزاً كبيراً لا يمكن حصره في أسطر قليلة، بل كل ما علينا فعله هو إستخلاص تلك التجربة عبر حوار يجعلكم تتعرفون على رؤى قد لم تصادفكم بعد في المشهد السردي العراقي.

 

* الى أي عالم في السرد تميل .. القصة أم الرواية؟

 

لكل نوع من السرد خصائصه ومميزاته وقدرته على البوح والتعبير. الرواية مثلا ، لها قدرتها على القول والانتقال بالأحداث والزمن بحرية اكثر من القصة القصيرة ، وفيها مرونة ومطاوعة كبيرة قد تفتقر لها القصة ولكن هذا لا يعني انها صارت الفن السردي الاعلى والافضل ابدا .. فالقصة لها مكانة مرموقة يصنعها كتابها بفعل ميزاتها التي تسمح بذلك، ولأنها بتقديري نقطة الانطلاق للفنون السردية الاخرى . القصة القصيرة هي اصل الابتكار والتميز والقدرة على تطويع اللغة وفق مفهوم الاختزال والتكثيف الذي ينتج نصا له نكهته وشكله الاكثر امتاعا . وانا شخصيا وبصراحة اميل لها كثيرا واعشق كتابتها على الرغم من ان الرواية احتلت مكانة متميزة في الآونة الاخيرة وصار الكل يهرولون لكتابتها حتى المبتدئين الذي لم يكتبوا في حياتهم سطرا واحدا ، وهذا يعود بتقديري لعدة اسباب اولها سهولة التناول ونظرتهم بان كتابة الرواية اسهل بكثير من كتابة القصة القصيرة وهذا ما جعل الكم الهائل من الروايات المطروحة ، يحتاج لكثير من الغربلة والتدقيق والفحص لكي نتعرف على المتميز منها . ان السرد عموما هو ساحة صراع مع ابداع الكاتب وانفعالاته وابتكاراته في اللعب على العناصر المؤدية لبناء النص وبالتالي فانها عملية استبطان المخزون الخيالي والرصيد اللغوي واظهار النصوص التي يمكن ان تتوزع ما بين القصة القصيرة والرواية مع اني ارى الكثير من كتاب القصة لم يتوجهوا بعد الى كتابة الرواية رغم تاريخهم الطويل في الكتابة وقد تكون الاسباب حاصة لا نستطيع الخوض فيها فهم ادرى بها . 

 

 

 

 

 

* في بعض كتابتك تميل الى الرمزية  .. هل تخشى رقيباً ما أم أنها رمزية تنتقيها لنصوص معينة؟

 

لا كاتب دون رقيب يتربص به ، في البدايات كان الرقيب يجعلك تفكر عدة مرات قبل الشروع بالكتابة ، مع ذلك قفزت على هذا الخوف وكتبت عدة نصوص فسرت في حينها انها تقترب من المحظور لكنها نجت بفعل التأويلات التي ابعدتها عن دائرة الخطر حتى ان احد مسؤولي الصفحات الثقافية طلب مني التوقيع على تعهد خطي بان نصي لا اقصد به رمزا معينا او اقترب منه ولكنه تراجع عن طلبه ونشر النص الذي حذرني الاصدقاء من تبعاته . ان الرمزية في الكتابة ، هي اشارة لا بد منها لأنك تعيش وسط متناقضات وتعددية بالأفكار والرؤى السياسية وغيرها وبالتالي فان الرمز يجعلك تنطلق الى مبتغاك في نصوص اعتبرها فاضحة المعنى ولا ينفع معها اي تأويل يخلصني من السؤال. مع اني ارى ان اغلب النصوص القصصية والروائية التي كتبتها تركتها على حالها وكأني انفض غبار الرقيب الذي عشش بدواخلنا كثيرا . اما الرمزية فهي الملاذ الآمن من كثير من الاشكالات التي تواجه الكاتب ربما .

 

 

 

 

* هل الرهان على اللغة والخيال مازال سارياً في السرد أم تغيرت رهانات الكتابة السردية؟

 

الكتابة السردية تتطور وفق تطور العصر ، فلا يمكن ان نقارن ما يكتب اليوم بالنصوص التي كتبت قبل عقود ولا يمكن ان تكون نصوصنا الحالية هي نسخة من نصوص الخمسينيات والستينيات مثلا . انما تغيرت وفق مفهوم الحداثة وصارت لا تعتمد على الخيال او اللغة ، بل تعدت ذلك الى نمط الكتابة نفسها . ويبدو ان تقنية الكتابة شهدت تطورا كبيرا وخاصة في مسألة تناول الثيمة والمعالجة واستخدام الزمن وتعدد الاصوات اضافة الى الوعي والثقافة التي يمتلكها الكاتب . ثمة نصوص لا تكتفي باللغة المعروفة والخيال اذا لم تكتب بلغة مستحدثة فرضتها التطورات التقنية الهائلة ودخول مصطلحات يومية للتفاهم حسب القاموس اليومي المستحدث الذي نشهده . فصارت بعض الروايات خاصة ، تتناول فكرة حديثة مغلفة بالثورة المعلوماتية و بلغة تناسب الفكرة فتقرأ سردا خارجا عن المألوف وبنمط يقترب من العوالم الرقمية والواقع الذي سلبته الحواسيب صدق المشاعر وصفات اخرى طالما كانت هي المسيطرة على تصرفات الانسان في هذا الزمن. انها محنة التطور الذي لا نعرف الى اين سيصل بنا والذي اخذ معه لغة الكتابة الجميلة المحببة وصارت مدججة بمفردات لم تكن معروفة . وامر طبيعي ان تغادر بعض السرديات خانة الكتابة المألوفة والتي لم نعرف غيرها ، الى خانة اخرى تواكب العصر التقني الذي غيّر كل شيء في طريقه اي ان الرهان لم يعد معتمدا على خيال الكاتب ولغته .

 

 

 

 

*العالم الرقمي أوالتكنولوجيا الحديثة هل قدمت خدمات للأدب بصورة عامة وللسرد بصورة خاصة أم تجدها مسيئة؟

 

التكنولوجيا الرقمية الهائلة والسريعة ، قدمت خدمات لم يكن يحلم بها اي اديب او مثقف . فبالنسبة للكاتب الذي يصدر كتابه الاول ، يستطيع بلمسة زر ان ينشره على منصات التواصل الاجتماعي ليشاهده الناس الامر الذي يحقق له انتشارا واختصارا في الوقت والجهد ، والامر نفسه عند نشر اية مادة ادبية في المواقع المتخصصة فانها ستنتشر بسرعة البرق ويطّلع عليها الناس من شتى البقاع والاماكن. اما الحصول على كتاب جديد او نادر فما هي الا لحظات ويأتيك برمشة عين . وهكذا ودعنا الايام الخوالي حين كنا نبعث برسالة ورقية وبظرف مزيّن بطابع صغير في مكتب البريد لنشر المادة في صحيفة او مجلة ما وعلينا الانتظار لايام لا نعرف تطول او تقصر لكي تنشر. هذا هو جنون السرعة في التطور الرقمي الذي انعكس حتى على الكتابة ذاتها حين اصبح الكاتب يكتب مادته على الشاشة الصغيرة بلا ورقة ولا مسودات ولا مضيعة للوقت . ولكن تبقى المتعة الحقيقية في قراءة الكتاب الورقي وجها لوجه ولا يمكن لاية تكنولوجيا ان تهمشه او تجعله انتيكة وذكرى فائتة . 

 

 

 

 

*من أين تلتقط شخصيات السرد عندك .. وهل فيها ما هو واقعي بحت ؟

 

الشخصيات من العناصر المهمة في السرد الروائي او القصصي، وهي المحركة للأحداث والفاعلة فيها وخاصة في الرواية . ولأنها كذلك على الكاتب ان يبتكر بعضها ويصنعها حسب متطلبات احداثه ومجرياته . الصناعة هنا ليست عشوائية او لغرض زيادة عددها داخل السرد ، انما هي حرفنة للسرد ذاته ومنحه قوة وتفاعل وحركة .. انها انعكاس مباشر لشخصية الكاتب احيانا ، وربما لا تمت اليه بأية صلة فالأمر مختلف هنا . ولابد ان يضم السرد شخصية او اكثر مستلة من الواقع قد تكون مؤثرة في سير الاحداث وربما تضيف اليه نكهة اكثر جاذبية ومقبولية وخاصة حين يطوّر الكاتب تلك الشخصية وان لا ينقلها حرفيا بل يضيف اليها نكهة ورتوش تفيد نصه بالتالي ولكي لا تكون مستنسخة حرفيا. الواقع المعاش منجم للشخصيات التي لا تنتهي وهي تؤطر النص بالحياة والحركة والتأثير . ان الاستعانة بشخصيات من الواقع لا تسقط النص في براثن التقليدية او جعله يراوح في الدرجات الدنيا من التميز ، بل سيتغير تغيرا كبيرا حين تسود تلك الشخصية بمواصفاتها على الحدث وتمتلك ربما تعاطف القاريء وهو ما يحدث دائما لان بعض شخصيات الواقع تفرض نفسها بحيث يعجز الخيال عن الاتيان بمثيلها . ان شخصيات الخيال تكون بارعة في التعبير عن خفايا الكاتب وبواطنه لانها من قناعته وابتكاره ، وقد تحيط بها هالة من الاندفاع والحركة داخل النص لوحدها دون اللجوء الى شخصيات رديفة من الواقع والاكتفاء بها لديمومة النص في شكله المصنوع ابداعيا . اذن هي معادلة غير متساوية حين نستنجد  بالواقع وهذا لا يقلل من هيبة النص ، وبين الخيال الذي يأخذ مدياته في سياحة السرد .. 

 

 

 

 

*هل أنصفك النقد والنقاد أم أنك تشعر ببعض غبن؟

 

لا اعتقد ان اي كاتب انصفه النقد ، فالأمر شبه مستحيل . النقد له الاجواء الخاصة به للانطلاق نحو ممارسة التحليل والتمحيص للنصوص المطروحة . وعندما يتناول احد النقاد كتابا ما من كتبي ، فاني اشعر بالحماسة والمتعة لان النقد انصفني كسارد في الساحة الادبية العراقية . واي كتاب يتناوله النقاد بالضرورة هو اهتمام بتجربتي التي مرت بأغلب النقاد المعروفين ، وكتب عن تجربتي اغلب النقاد وليس جميعهم ، فثمة من لم يكتب حتى الان رغم معرفته بتجربتي واصداراتي ولا اعرف السبب . ولكني اشعر احيانا بان النقد الراهن لا يتابع كل السرد الصادر او جميع ما يكتب، بل يعتمد الناقد على الاهداءات الخاصة من الكاتب نفسه الامر الذي ستفوته الكثير من الاصدارات التي لا يستطيع الكاتب ايصالها الى النقاد لظروف معينة او سواها . اذن العملية هي جهد كبير يبذل من الكاتب في ايصال نتاجه الى النقاد ومن ثم تناوله على منصة التحليل والنقد . بعض النقاد تعجبهم طريقة معينة للكتابة السردية فتراهم يكتبون عنها في حين يعزفون عن الكتابة في تجارب اخرى وهو الامر الخاضع للمزاج اولا ولفنية الكتابة ثانيا . امتلك علاقات جيدة مع اغلب نقاد العراق كما ذكرت ، ولكني احيانا اشعر بالكسل او العجز في ايصال كتبي الى بعضهم فافقد اهتمامهم بكتاباتي وبالنتيجة اجدهم يكتبون عن غيري لانه استطاع ان يصل اليهم وقد تصل اليهم نتاجاتي لكنهم لا يكتبون كما قلت. نحن لا نمتلك الية عصرية تجعل من الكتاب يصل بسهولة الى الناقد او القاريء ، فما زلنا نمارس الطريقة التقليدية في توزيع الكتاب التي تبدأ من الاصدقاء المقربين اولا ، والذي لا نجده امامنا لا يحصل على نسخة منه وهكذا . حقيقة لا يوجد كاتب لا يشعر بالغبن مهما كان مستواه وتميزه ومدى شهرته ، لان النقد لا يمكن ان يغطي المطروح من الاصدارات على كثرتها . انها مسألة نسبية حتى لو لم يكتب عني الناقد الفلاني فيكفي ان الناقد الفلاني الاخر كتب عني ، وهذا ما يحدث اليوم فمن المستحيل ان يكتب عنك الكل حتى وان وزعت كتابك اليهم جميعا . 

 

 

 

 

*في القصة القصيرة نحتاج أحياناً الى بعض المراوغة .. هل راوغت متلقيك يوماً؟

 

 

اعتقد ان القاريء الحاذق هو من يعطي فسحة اكثر للكاتب بان يطوّر ادواته لأنه محكوم بمراقبة وتدقيق من قبل متلقين يستطيعون ان يرفضوا نصا ما وبالتالي سيكون الكاتب في محك خطير معهم . وللأسف ان البعض يكتب دون ان يضع القاريء امامه وهذا امر صعب في استمرارية الكاتب نفسه . في القصة القصيرة التحدي الصعب اكثر وضوحا مع القاريء لانها تعتمد اللغة المناورة والخيال الجامح . وهذا لا يحدث ان لم يحسن القاص استخدام براعته في اللعب على التحليل والتأويل . فقد يقصد الكاتب امرا ما ، في حين يفسره القاريء بشيء بعيد جدا وهو ما ينجح صانع النص فيه لأنه ناور وراوغ القاريء وربما حتى الناقد المتحفز للمراقبة والتحليل . انها عملية تحتاج الى مهارة غير اعتيادية في تحويل مجرى الاحداث الى مجريات اخرى في اذهان الاخرين فتكون مجازفا وذكيا واكثر سرورا حين تعتقد ان نصك القصصي قد اخذ مدى ابعد مما وضعته له . ان الكتابة القصصية ، هي ابتكار في اللغة والخيال حين يكون الكاتب قد تمكن من بنيانه واستخدم رشقة من الغموض او التداخل المركب او الوضوح الذي لا ينتهي وفق تصورات القاريء ، انها لعبة ذكية ادواتها الوعي والمهارة والحرفنة والثقة . 

 

 

 

 

* كيف تقرأ واقع السرد العراقي قياساً بالمدارس العربية والعالمية؟

 

 

في تجارب شخصية ، وجدت ان السرد العراقي افضل من الكثير من السرد في بعض البلدان العربية . والافضلية هنا اعني بها المهارة والثيمة القوية والحبكة المتراصة والحداثة . في حين ان البعض في تلك البلدان ، ما زال يكتب وكأن الزمن توقف عنده منذ الستينيات . ووجدت ايضا ان الكتاب العراقي قد اخذ دوره المهم من بين الكتب الاخرى في المعارض العربية جراء الكثير من الاسباب اهمها هو قدرة الكاتب كما ذكرت ، وثانيها ان الجوائز العربية والمحلية المهمة التي حصل عليها الكاتب العراقي ، قد جعلت منه رقما صعبا في السرد العربي بل الاكثر ان بعض الاسماء بدأت الاوساط الثقافية العربية ترددها لانها اثبتت حضورها هناك . عالميا ، اعتقد ان الترجمة تلعب دورا مهما في ايصال الكتاب العراقي الى هماك وهي قاصرة طبعا عدا بعض المحاولات الفردية التي لا تؤشر المشهد بكل تفاصيله . فالعالمية تحتاج الى مؤسسات وجهود مضنية تأخذ على عاتقها ايصال الرواية والقصة القصيرة العراقية الى الاوساط الثقافية والادبية الدولية . ونذكر هنا محاولة شخصية او كثر وصلت الى العالمية بجهود ذاتية .