loader
MaskImg

حوارات

حوار مع الفنانة التشكيلية التونسية عائدة عمار

breakLine

حوار مع الفنانة التشكيلية التونسية عائدة عمار:

أفكار لوحاتي أستقيها من تراث بلادي وأصالتها..

حوار: حكمت الحاج – كاتب عراقي 

وكالة نخيل عراقي - خاص 

 

فيما تستعد لإقامة معرضها الشخصي الأول، والذي تأجل لأكثر من مرة بسبب ظروف الجائحة وضرورة مراعاة برتوكولات الحماية الصحية التي تفرضها تداعيات فيروس كورونا المستجد، التقينا في مدينة سوسة الساحلية الجميلة، التشكيلية التونسية عائدة عمار على هامش الحدث المرتقب، للحديث عن رؤيتها للرسم وشؤونه، فكان هذا الحوار:
*كيف حدث أن توجهت الى فن الرسم تحديدا دون غيره من الفنون والانشطة الثقافية؟  
- الحقيقة لم أختر الرسم، بل هو الذي اختارني فبدأت في سن صغيرة ومع أول آلة تصوير فوتوغرافية أهداني إياها والدي، بدأ شغفي وميلي الفطري نحو التصوير والرسم. هذا إضافة الى أنني ولدت ونشأت في بلد أوروبي (ألمانيا) في سنواتي الأولى من عمري وزاولت فترة من التعليم هناك. وبعودتي الى تونس وجدت صعوبة كبيرة في التواصل مع أقراني في ذلك الوقت، فكان الرسم هو لغتي الأولى في التعبير مما شد انتباه أساتذتي لموهبتي في المرحلة الابتدائية فأولوا اهتماما خاصا بي لصقل وتنمية مهاراتي في الرسم. ومن هناك كانت لي أول تجربة فعلية في هذا المجال في سن الثانية عشرة حيث فازت مدرستي (الحبيب بورقيبة بمدينتي أكودة) عبر لوحتي بعنوان (تونس الجميلة) بالمرتبة الاولى في مسابقة رسمية وجهوية بين المدارس في الرسم مما جعلني أحصر ذاتي الفنية في هذا المجال دون غيره من الفنون الاخرى.
*هل درست فن الرسم بشكل أكاديمي، أم هو موهبة فطرية عملت على صقلها وتنميتها بصفة ذاتية؟
- لم أدرس الرسم بشكل أكاديمي، لكنني عملت على صقل موهبتي بالممارسة وحب الاطلاع على أسرار الفنون التشكيلية واكتشاف خباياها. فالتحقت بورشات ودورات تكوينية عديدة. كما ساعدني امتهاني لحرفة صنع الفسيفساء (الموزاييك) بصفة مباشرة في تطوير حسي الفني فهو من أهم الفنون التصويرية القديمة والتي يرجع استخدامها الى الحقبة التاريخية الرومانية بالبلاد التونسية عند تأسيس أول مدرسة فسيفسائية في بدايات القرن الثاني الميلادي. ويعد من الفنون اليدوية النادرة والثمينة التي تؤرخ ثقافة المجتمعات بأسلوب فني مؤثر. إن تشكيل لوحة فسيفسائية يتطلب دقة فائقة على حذق فن الزخرفة ومهارة عالية في تطويع الرخام وقطعه حسب أحجام مختلفة، وهي عادة ما تكون صغيرة جدا ومكعبة، وتنظيمها لتكون بمجملها مشاهد تنافس في روعتها أجمل أعمال الرسم. فإن العمق في هذا الفن يجعلنا نتجاوز حدود الابداع والخيال ونرتقي برؤيتنا الفنية ونطورها مثل فن الرسم تماما. فحتى وإن اختلفت الأدوات والمعدات والتقنيات الفنية للتجسيد فإنها تصب في نفس الرؤية الابداعية والقدرة على خلق الجمالية بصفة مبتكرة.
- واضح للمتتبع لمجمل أعمالك الفنية أنك ترسمين ضمن منهجية معينة سواء من حيث المضمون والرؤية أو من حيث المواد المستعملة والفرش والألوان الزيتية التي تفضلينها على ألوان الأكريليك مثلا. كيف تكون لديك أسلوبك الخاص؟
- دائما ما تأتي الفكرة أولا، ثم ننطلق الى الأسلوب في تنفيذ اللوحة. وكل حسب بصمته الخاصة. فأنا مثلا أستقي أفكار لوحاتي من حبي للتراث والأصالة، من الواقع والخيال، من مشهد أو موقف، وفي أحيان أخرى تحفزني وتلهمني أبيات من قصيد أو كلمات لمبدع أو لشاعر. كلها تأتي كأنها سرد بصري لما يعج بداخلي من أحاسيس وأفكار أعبر عنها مباشرة على مسطح لوحاتي وأختار أن تكون في الغالب ذات أبعاد كبيرة حتى تخولني لدمج تقنيات متنوعة في لوحة واحدة كما أعمد الى تكثيف الألوان الزيتية الداكنة لأنها تعبر بطريقة أقوى وأجرأ، وتعكس كثيرا من الاحتمالات البصرية، وهي بالنسبة لي في المقام الأول جزء كبير في كينونة وروح المضمون والفكرة. أما تقنيا فالألوان الزيتية مطواعة وقابلة للتعديل أحب الرسم بها رغم تجاربي بالأكريليك والألوان المائية.
- هل يمكن أن تذكري لنا، أي من المدارس الفنية في الرسم هي الأقرب إليك، وأي المدارس تجدينها أقرب إليك أكثر من غيرها؟
- أنا منجذبة للمدرسة التعبيرية المليئة بالغموض والأسرار والرموز لأني أحب التعبير عن ما بداخلي وما اشعر به، فأستطيع خلق تصورات خاصة بي من خلال أسلوب التعبيرية.
- ما معنى الرموز والأسرار؟ هل يمكنك التوضيح؟
- في الحقيقة، أحب الغموض في تقديمي للفكرة، فهو مساحة من خلالها أستطيع البوح أو ترجمة ما يختلج في صدري من أحاسيس حقيقية أو من الصور التي في مخيلتي، ولا أريد تقديمها في شكل واضح أو سريع الفهم. لذلك أتعمد كثيرا، ومن خلال بعض الرموز والدلالات التعبيرية، أن ألعب بالفكرة وأقدمها في شكل غير تقليدي أو مألوف أو ممل، ليجد المتلقي متعة في مشاهدة العمل حسب ثقافته ومفهومه للفن والجمال. وفي نظري، فإنني أجد أن الرمزية في العمل تعد طريقة لاستخراج المكنونات الداخلية بمزيد اكتشاف الذات والمساعدة على التطور كفنان. يقول بول كلي:" الفن لا يعيد إنتاج ما نراه بل يجعلنا نرى". وبالمناسبة، لطالما أعجبت وتأثرت بأعمال هذا الرسام الألماني فهو من أهم رواد الفن الحديث تتراوح أفكاره بين السريالية والتعبيرية والتجريدية شكلت زيارته لتونس عام 1914 منعطفا أساسيا في مساره الفني أين اكتشف أهمية الضوء وخصوصية قوة الألوان خاصة بعد انبهاره بمدينة القيروان التونسية وكمية الضوء والإشراق في ربوعها وكانت سببا في إلهامه. يقول بول كلي: "لقد تملكني اللون لست في حاجة البتة للقبض عليه لقد غزاني الى الأبد.. أعرف انبهار تلك اللحظة السعيدة.. إن اللون هو أنا. لقد صرنا واحدا. أنا الآن رسام."
- هل تجدين نفسك كفنانة تشكيلية، ملتزمة بالتعبيرية الى هذا الحد؟
- سبق أن مررت بأكثر من مدرسة من المدارس الفنية، خاصة السريالية والتجريدية. لكن بالنهاية، أفضل التعبيرية حيث يمكن حذف صور العالم المعاش بحيث تتلاءم مع المشاعر والعواطف والحالات التي تمر بنا، وذلك من خلال تكثيف الألوان، وتشويه الأشكال، واصطناع الخطوط القوية. المذهب التعبيري هو أكثر مذهب فني متأثر بالذاتية المفرطة. ومع ذلك فلا أرى مانعا من الانخراط في تيارات فنية أخرى، إذ لا بد من التجريب الدائم والتجديد والبحث العميق للتميز وإتقان العمل الفني بكل جمالياته، علّنا نشبع شغفنا وتعطشنا للفنون.
* تتكرر في لوحاتك تشخيصات المرأة في عديد حالاتها، سواء من جهة الوجوه أو الاوضاع، فهل يمكن القول أنك رسامة ذات توجه فكري نسوي؟  

- غالبا ما كانت المرأة حاضرة بكثافة في الاعمال الفنية كموضوع للتعبير، فهي مجاز سردي يحاكي الجمال والفكر، الحلم والخيال، الأصالة والحداثة... أستطيع من خلال تناول صورة المرأة أن أعبر عن التراث والهوية، عن كينونتها ودورها في المجتمع، بعيدا عن النظرة التقليدية ورمزيتها كفكرة أو كصورة، فهي تمثلني وتعكس شخصيتي كامرأة تؤيد الحركة النسوية في معظم أفكارها القيمة. فأنا مع المطالبة بضمان حقوق المرأة في الحرية والكرامة والقيمة الانسانية، فهي صاحبة قرار وفكر وجمال، ولها القدرة على تحقيق التكافؤ الابداعي في كل المجالات.
*هل هناك فرق بأن يتم رسم المرأة بخلفية جمالية تقليدية، وبين أن يتم رسمها بخلفية نسوية؟
- طبعا هنالك فرق. فحديثا، وبالتزامن مع الحركة النسوية في القرن العشرين، أصبح للمرأة حضور قوي ورؤية فنية خاصة بها تتناول فيها قضاياها وطموحاتها وانفعالاتها وتعبر عن هويتها بعيدا عن الخلفية الجمالية التقليدية والرمزية فنستطيع من خلال انجازاتها الفنية أن نميز بصمتها الخاصة وأسلوبها الرقيق وروحها الأنثوية من خلال الالوان والخامات وحركة الرسومات المعبرة على اللوحة.
ولدت عائدة عمار في مدينة هامبورغ في ألمانيا عام 1975. أكملت تعليمها في تونس. ولها شهادة من التصميم الغرافيكي. متخصصة في حرفة الفسيفساء الرخامية. تزاول الرسم بالألوان الزيتية على محامل عدة وبأحجام مختلفة. تتهيأ لإقامة معرضها الشخصي الأول في أفق عام 2021. سيصدر لها قريبا عن منشورات مومنت بالمملكة المتحدة ألبوم فني يتضمن بعضا من لوحاتها مع نصوص شعرية مصاحبة. تعمل حاليا في قسم التصميم بمجلة تكاملات الصادرة في لندن.