loader
MaskImg

حوارات

بين إيران والعرب تغريب وتجاهل وعلاقات خجولة حوار مع الباحث والأكاديمي الإيراني ياسر ميردامادي

breakLine

حاوره : سعيد دهقاني _ كاتب وصحافي إيراني

الحوار خاص بوكالة نخيل عراقي


في مثل هذه الأيام قبل أربعة عشر عاماً، سافر باحث إيراني مسلم إلى تونس. وتفاجأ عندما علم بالمستوى المعرفي للشعب التونسي عن الإيرانيين. على سبيل المثال، تسمعهم يقولون: "كنا نظن أن الإيرانيين مسيحيون". ومنذ ذلك الحين صار هذا الباحث الإيراني يبحث عن أجوبة قوية على سؤال واحد: لماذا لا یعرفون الإيرانيون والعرب بعضهم من بعض؟ هذا الباحث الإيراني اسمه سيد ياسر ميردامادي. ولد في مدينة مشهد عام ۱۹۸۰، ودرس في الحوزة العلمية في هذه المدينة ثم غادر إيران قبيل إندلاع الاحتجاجات الواسعة النطاق في إيران، التي عرفت بالحركة الخضراء. حصل على درجة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية من جامعة إدنبرة في اسكتلندا ومنذ ذلك الحين يعيش في إنجلترا ويعمل في جامعات عالمية كأستاذ مشارك في مجال اللاهوت والفقه.
أنا سعيد دهقاني، كاتب وصحافي أيراني مهتم بالثقافة واللغة العربية، أجريت حواراً مع الدكتور السيد ياسر ميردامادي حول موضوع تغريب وتجاهل العرب والفرس، وكانت هذه الأسئلة :

 

باعتبارك باحثاً إيرانيًا، كنت على اتصال بالجالية الإسلامية في بريطانيا لسنوات عديدة والتي تضم عددا کبیرا في هذا المجتمع هم من العرب. من خلال تجاربك في التعايش معهم في البلد ثالث، كيف ينظرون إلينا نحن الإيرانيين؟ وهل نظرة العرب السلبية للإيرانيين هي رد فعل على الشعارات والتصريحات العنصرية التي يطلقها بعض الإيرانيين ضد الثقافة واللغة العربية؟


من خلال تجربتي، يمكنني القول بثقة إلى شيء واحد، هو أنه من غیر المناسب تعميم التجارب الشخصية، سواء كانت إيجابية أو سلبية، على جميع أفراد أمة بأكملها. حتى في استنتاجاتنا استنادًا إلى استطلاعات الرأي، يجب أن نكون حذرين ونأخذ بعين الاعتبار تنوع الآراء والتجارب. العلاقة بين العرب والإيرانيين معقدة وتتأثر بعدة عوامل. قد تكون نظرة بعض العرب السلبية تجاه الإيرانيين ناتجة عن التصريحات العنصرية والشعارات التي يطلقها بعض الأفراد الإيرانيين ضد الثقافة واللغة العربية. هذه الظواهر يمكن أن تثير حساسيات وتؤثر في الانطباعات الشخصية. مع ذلك، يجب أن نفهم أن هذه النظرة لا تعكس آراء الجميع، وأن هناك تنوعًا كبيرًا في وجهات نظر الأفراد. 
علی سبيل المثال، تتناول الباحثة الأدبية الأمريكية "جويا بلونديل سعد" في كتابها «صورة العرب في الأدب الفارسي المعاصر» عدداً من الكُتّاب الفرس المعاصرين من حيث قربهم أو بعدهم عن معاداة العرب. وقد تم اختيار محمدعلي جمال‌زاده، وصادق هدايت، وصادق جوبك، ومهدي أخوان ثالث من بين الكتّاب الذكور، وفروغ فرخزاد، وطاهرة صفارزاده، وسيمين دانشوار من بين النساء. وتظهر نتيجة بحث السيدة سعد أن جميع الشعراء والكتّاب الذکور المذكورين لديهم درجات معينة من معاداة العرب وحتى معاداة الإسلام. لكن الشاعرات والروائيات الإيرانيات اللاتي درستهن السيدة سعد متحررات من معاداة العرب ومعاداة الإسلام. هذه النقطة مهمة بشكل خاص لأنه في الجو الآري المناهض للعرب للقوميين الإيرانيين، يتم تصور العرب على أنهم شعب همجي غزى إيران القديمة المجيدة واغتصب النساء الإيرانيات الجميلات. لكن الكاتبات الإيرانيات البارزات اللاتي درستهن السيدة سعد ليس لديهن مثل هذه الصورة عن العرب.
ولا بد من التأكيد على أن معاداة العرب -كمثال على العنصرية- ليست ظاهرة في العصر الحديث إلا عند البعض -وأؤكد: البعض- من الإيرانيين (من العلمانيين إلى المتدينين)، لكنه يمكن أن يكون قد وجد أيضا في بلدان أخرى. على سبيل المثال، معاداة العرب يمكن رؤيته بعد احتلال فلسطين بين عدد کبیر من الإسرائيليين، وخاصة بعد ۱۱ سبتمبر ۲۰۰۱ وبعد حرب غزة الاخيرة في شكل كراهية الإسلام بين بعض الغربيين وحتى بين بعض العرب غير المسلمين أو العلمانيين الذين ينتقدون الثقافة الإسلامية (خاصة بين بعض العرب العلمانيين المصريين).

 

ما مدى دور السياسة في الفصل بين الثقافتين الفارسية والعربية؟ أطرح هذا السؤال لأن البعض يعتقد أن قيام نظام الجمهورية الإسلامية دفع البعض إلى إلقاء اللوم في مشاكل المجتمع الإيراني على الإسلام أولاً ثم على العرب؟

يمكن أن يكون لنظام الجمهورية الإسلامية في إيران تأثير على الفصل أو التباعد بين الثقافة الفارسية والعربية. حقيقة أن غالبية الإيرانيين هم الشيعة وأغلبية العالم العربي هم السنة، فضلا عن معاداة الحكومة الإيرانية للغرب في حين أن معظم الدول العربية لديها حكومات قريبة من الغرب. هذه النقطة كان لها أيضا تأثير في ازدياد سوء الفهم بين بعض الإيرانيين وبعض العرب. 
ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أنه بعد الثورة الإيرانية، تبنت الحكومة الإيرانية فكرتي "وحدة الشيعة والسنة" و"وحدة العالم الإسلامي"، وكلاهما يمكن أن يساعد في التقريب بين الإيرانيين والعرب. ولكن هناك عدة عوامل أدت إلى فشل هاتين الفكرتين : أولا. عدوان حزب البعث في العراق على إيران، والحرب التي استمرت ثماني سنوات بين حزب البعث العراقي وإيران، بالإضافة إلى دعم الكثير من الدول العربية لحزب البعث في العراق خلال الحرب علی إيران. وتُقدر الخسائر الإجمالية من قتلى وجرحى في الحرب من الجانبين بين مليون ومليوني شخص، ويظهر أن عدد القتلى والجرحى في الصفوف الإيرانية يتجاوز بكثير عددهم في الجانب العراقي،  وثانيا. دعم بعض الدول العربية للجماعات الانفصالية الإيرانية. وثالثا. أن حكومة إيران أرادت وحدة العالم الإسلامي في صراع مع الغرب، وهذا على الرغم من أن معظم الحكومات العربية كانت ولازالت لها علاقات وثيقة مع الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، وقد برزت هذه العلاقة وتحسنت العلاقات مؤخرا حتى مع الاحتلال الإسرائيلي.
والنقطة التالية هي أن الأداء غير الکفء وغير الديمقراطي للحكومة الإيرانية أدى بعدد متزايد من الإيرانيين إلى معاداة الإسلام أو على الأقل الإلحاد. وهذا الوضع يغذي المشاعر المعادية للعرب. لأنه في رأي معظم مناهضي الإسلام أو المحلدین الإيرانيين أن الإسلام دين عربي. وهذه الحقيقة الديموغرافية المتمثلة في أن معظم مسلمي العالم هم غير العرب لم تغير رأيهم. هذا بالإضافة إلى موضوع تصدير الثورة الإسلامية والتي أثيرت حساسيات كثيرة. ففي اعقاب انتصار الثورة الإيرانية في عام ١٩٧٩، بدأت إيران بتصدير افكار الثورة الإسلامية إلى مناطق أخرى في الشرق الأوسط وخارجه، مما أثار ردود افعال متنوعة ومتضاربة.
وعلى الرغم من أن الفكرة نفسها كانت محورًا للإلهام للكثيرين الذين يسعون إلى التغيير والإصلاح، إلا أنها أيضًا أثارت حساسيات شديدة في العديد من الدول العربية التي كانت تعتمد على نظم سياسية مختلفة. تلك الدول كانت تشعر بالقلق من تأثير هذه الثورة على استقرارها السياسي والاجتماعي، وكذلك على التوازن الإقليمي. واجهت الجمهورية الإسلامية ردود افعال متباينة من الدول العربية؛ فبينما تبنت بعضها مبادئ الثورة ووجدت تحالفًا مع إيران، إلا أن العديد من الدول العربية رفضت هذه الفكرة وتبنت مواقف معادية لإيران. هذا الانقسام في التفاعل مع الثورة الإسلامية وتأثيرها على العلاقات الإقليمية يظهر الانقسام العميق في المنطقة ويسهم في نمو مشاعر الكراهية ضد إيران بين بعض الدول العربية.

 

والآن بعد أن تحسنت العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية، كيف نخرج من فخ الانقسام؟

 إن تحسن العلاقات الإيرانية-السعودية يبدو مهتزاً ومن المحتمل أن يكون غير مستقر. وبطبيعة الحال، أنا لست ميؤوسا منه تماما، وينبغي الترحيب بالافتتاحات المؤقتة. ولكن من أجل تحسين العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية بشكل جذري، يتعين على الجانبين تحقيق التوازن في علاقاتهما مع الشرق والغرب. فالسعودية تميل أكثر نحو الغرب، وإيران تميل نحو الشرق فقط. فإذا أصبحت المملكة العربية السعودية الفناء الخلفي لأميركا، وتحولت إيران إلى الفناء الخلفي للصين وروسيا، فإن العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية لن تتحسن بشكل جوهري. تعمل السعودية على إقامة توازن بين الشرق والغرب، وحاولت إيران تحسين علاقتها مع الغرب في الاتفاق النووي، لكن ترامب (بنصيحة بعض الدول العربية) أبطل الاتفاق. كما أن اغتيال الجنرال سليماني جعل احتمال تحسين علاقات إيران مع الغرب أكثر قتامة.

 

وفي النهاية، ماذا تقترح لقراء منصة نخيل العراقي، وهم عادة من محبي الثقافة والفن العربي، حتى يكتشفوا أننا نحن الإيرانيون نحب العرب، وأنه ليس كل الفرس معادين للعرب؟ في الثقافة واللغة الفارسية، ما هي الأشياء التي يمكن العثور عليها والتي تظهر الحب والصداقة الطويلة الأمد بين الإيرانيين والعرب؟

من أجل تعزيز العلاقات بين الإيرانيين والثقافات العربية، ينبغي أولا تعزيز الاواصر بين الإيرانيين غير العرب والإيرانيين العرب. ومن ثم سيتم تعزيز العلاقة بين الإيرانيين ككل من خلال ذلك الجزء من الثقافات العربية الذي لديه أقرب تواصل ثقافي مع إيران، وهو جنوب العراق. الإيراني الشيعي المتدين الذي يزور ضريح الإمام علي في النجف أو ضريح الإمام الحسين في كربلاء يشعر بأنه زار ضريح الإمام الرضا في مشهد أو ضريح أخته في قم، على الرغم من أن الثقافة الشيعية العربية لديها اختلافات مع الثقافة الشيعية الإيرانية. وينبغي أيضاً تعريف الإيرانيين غير المتدينين أو الأقل تديناً بتنوع الثقافات العربية. ولا يمكن اختزال الثقافات العربية في الثقافات الدينية.
حوالي أربعة عشر عامًا، قضيت شهر رمضان في تونس. في كل ليلة من ليالي شهر رمضان، بعد الإفطار حتى الفجر، کان يقام مهرجان موسيقي خاص بشهر رمضان، يشبه مهرجان النوروز في إيران. لا أستطيع التعبير عن استغرابي من الفارق بين أجواء رمضان في إيران وتونس. في إيران رمضان هو شهر الحزن والدموع، أما في تونس، كان رمضان شهر الفرح والسعادة. وهذا يعني أنه حتى الثقافة الدينية للدول العربية (سواء السنية أو الشيعية) تختلف عن الثقافة الدينية في إيران. هذه الاختلافات جميلة، لكنها قد تكون أيضًا مصدرًا لسوء الفهم. وينبغي شرح هذه الاختلافات وتحويلها إلى مواضيع ثقافية مثيرة للاهتمام. النقطة التالية التي تستحق الاهتمام هي أن عدد سكان السنة في إيران في حالة نمو مستمر  لدرجة أنه بعض المحللين يقولون أن في نصف القرن المقبل، قد تصبح إيران مرة أخرى دولة ذات أغلبية سنية (كانت إيران دولة ذات أغلبية سنية، ومع أقلية شيعية قوية، قبل الصفويين). رغم  ان هذا التنبؤ لا يبدو صحيحا، بل يشبه أكثر نظريات المؤامرة ومع ذلك، يمكن القول على الأقل إن إيران تشهد، حالياً وستشهد في المستقبل القريب، وجود قوة لدى الأقلية السنية التي يتزايد عددها باستمرار. ومن هذا المنطلق فإن التعددية الثقافية والعيش السلمي حاجة إيرانية أساسية للأجيال القادمة. 
النقطة الأخيرة هي أن البصمة القوية للغة العربية في اللغة والأدب الفارسي يجب أن تؤخذ على محمل الجد والاعتراف بها. أنا ضد الصفائية اللغوية. الكلمات العربية لها مكانة في اللغة والأدب الفارسي، وحذفها من اللغة الفارسية يفقر هذه اللغة.