loader
MaskImg

حوارات

بلال فضل: ما قيمة الكاتب الذي ليس له أعداء؟

breakLine

 

" لا أجد مشكلة في حذف بعض الحماقات في كتاباتي أو تعديلها "

 

" السوشيال ميديا سهلت التعرض للأذى والشعور بالإهانة "


 

حاوره الشاعر السوري هاني نديم


وكالة نخيل عراقي/ خاص

خالتي فرنسا، وأهل كايرو ، وصايع بحر، وعشرات أعمال السيناريو الأخرى، إلى جانب عشرات الكتب في القصة والمقالات والرواية والأدب الساخر وأدب الرحلات، كل هذا مع حضوره الكثيف والقوي على الشاشة من خلال برامجه الخاصة، إنه بلال فضل الكاتب والإعلامي والسيناريست والروائي والقاص، المثقف الرفيع الذي يجعلنا نبكي ونضحك بين سطرين.
التقيته في هذه الدردشة نسترجع معه شيئاً من الأيام القديمة والحوارات والصحافة والدراما العربية. 


سألته:
• بين السيناريو والرواية والمقال والنقد والصحافة، كيف تتنقل بتلك السلاسة بينهم؛ هل تُغيّر معجمك في كل فن من تلك الفنون؟ حدثني عن هذا التنوع

- أنا أنتقل بينها فعلا، ولكن ليس بالسلاسة التي تتصورها، يعني الصيت ولا الغنى، برغم مرور السنين لا زال من الصعب في كل مرة أن تذكر نفسك بالالتزام بوجود قواعد مختلفة تفصل بين الأنواع الكتابية التي أنا مهتم بها والتي أحبها جميعاً وأحاول من حين لآخر قراءة كتب جديدة عن فنيّات الكتابة في كل منها لعمل نوع من الترميم والإنعاش على طريقة العبارة الشهيرة (مغلق للتحسينات)، من المهم أن يذكّر الكاتب نفسه دائما بأن الخبرة مهمة ولكنها ليست كافية، بل يجب أن تتجدد بالمعرفة والتذكير والتأمل في فنيات الكتابة.
هناك ميل شائع في ثقافتنا العربية للإعلاء من شأن المضمون على حساب الشكل، يمكن أن يشيد الكثيرون برواية أو قصة فيلم لأنها تقول كلاما مهما مع أن العمل نفسه مكتوب بشكل سيء أو به خطابية أو مباشرة، أعتقد أن الشكل الفني لكل نوع كتابي مسألة في غاية الأهمية لكن الأهم ألا يظهر تأثير حرصك على هذا وأنت تكتب، كيف تبذل مجهودا في الكتابة دون أن تظهر آثار الحزق على العمل؟ حكاية صعبة ومرهقة لكن فيها يكمن جمال الكتابة ومتعتها الأهم بالنسبة للكاتب، ويمكن حينها أن تنتقل عدوى الإمتاع هذه للقارئ.

 

• مع كل هذه الكتب دوماً يخطر لي السؤال: هل يقرأ بلال فضل لنفسه ويقهقه أحياناً، ويحزن مثلنا؟

- أقهقه أو أحزن أو أنفعل أثناء الكتابة، لكن بعد الانتهاء منها يجب أن تكون هناك مسافة بينك وبين العمل لكي يمكن لك تعديله أو تنقيحه أو حذف ما ترى أنه مبالغة، أثناء الكتابة يجب أن تكون متورطا مع النص والشخصيات، لكن بعدها وخلال عملية التحرير والتعديل يجب أن يقل هذا التورط لكي تستطيع تخفيف أثر الكوارث التي ارتكبتها، طبعا لا ينجح هذا كل مرة، وأحيانا تدرك الكارثة بعد النشر حين لا ينفع الندم، وأحيانا تدركها وتكون سعيدا لأنك ارتكبتها.
بشكل عام أحرص على تنقيح الطبعات الجديدة من كتبي ولا أجد مشكلة في حذف بعض الحماقات أو تعديلها مع الإشارة إلى ذلك، لكن بشكل عام تتضاءل علاقتي بالكتاب أو العمل الفني بعد نشره أو إنتاجه ويصبح الأهم التفكير في العمل القادم.



• ما هي أقرب كتبك لنفسك ولماذا؟

- أحب التعبير التراثي الذي ينسب في بعض الكتب إلى خليفة أو حكيم، لكن أحب من ينسبونه إلى إعرابية لأنه لا يخرج إلا من قلب وعقل أم سألوها: "أي أبنائك أحب إليك؟" فقالت: "الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يشفى، والغائب حتى يعود"، وعلى نفس المنوال: أحب الكتب هو الأحدث صدوراً والذي أحب أن أطمئن على مستقبله، وحين يحدث ذلك تنتقل مشاعر التعلق والارتباط إلى العمل الذي أنشغل به، لكن من حين لآخر أجدد علاقتي بكتبي وأفلامي وبرامجي حين أقرأ تعليقات الناس عليها في جودريدز أو يوتيوب وغيره، ولحسن الحظ أغلب ما أقرؤه يسعدني ويذكرني بالأيام التي كنت مشغولا فيها بالعمل وتفاصيل كتابته.

 

• عن الدراما وهمومها، ما الذي تغير حتى صرنا في هذا المستوى الهابط منها؟

- لن تصدقني لو قلت لك إني لا أشاهد الدراما العربية بكثافة منذ أن سافرت وأقمت في نيويورك، ليس ترفعاً ولا تعالياً ولكن لأنني أكتفي في شهر رمضان باختيار الأعمال التي أحب كتابها ومخرجيها، لذلك لا أصلح للحكم بشكل منصف على أوضاع الدراما، لكن برغم وجود مخرجين كبار وكتاب متميزين وممثلين رائعين، تعاني الدراما العربية من مشكلتين رئيسيتين: غياب حرية الإبداع مع تعدد الجهات الرقابية والتي أضيف إليها رقابة الجمهور المحافظ سهل التعرض للأذى والشعور بالإهانة عبر السوشيال ميديا، وانهيار تقاليد المهنة التي جعلت المبادرة والقرار يبتعد في أغلب الأعمال من أيدي المؤلفين والمخرجين ولم يعد حتى في أيدي الممثلين والنجوم بل دخل في حسابات أخرى بعيدة عن الفن، وهذا لا يمكن أن ينتج عنه خير.



• عليّ أن أسأل هذا السؤال، تتهم بمزاجك "الإخواني"، وقد اكتسبت من وراء هذا العديد من العداوات وربما المجانية منها. هل تحب أن تعلق على هذا؟

- ما قيمة الكاتب الذي ليس له أعداء سواء كانوا مجانيين أو أعداء شديدي الأذى، بالنسبة لي تعودت منذ تزايد حدة الاستقطاب في السنين العشر الماضية على أن أجد من يتحدث عن كوني عميلاً إخوانيا متخفيا لأنني أفرق بين معارضة جماعة الإخوان كفكرة وتنظيم وسياسات وبين استباحة دماء أعضاء الجماعة وعدم التعامل معهم بشكل قانوني وعادل، في الوقت نفسه ستجد على الصفحات الإخوانية من يعتبرني انقلابيا وعميلا مخابراتيا طلبت منه الأجهزة أن يهاجم السلطة لكي يخترق الثورة الإخوانية القادمة، هذه مسألة مبهجة بالنسبة لي لأنها تؤكد على تأثير ما أكتبه، خصوصا أنني في الوقت نفسه لا أشكو من قلة من يفهم موقفي جيدا ويتابع كتابتي، وبشكل عام لا يمكن لكاتب أن يتحكم في كل ردود الأفعال على كتابته وكل ما يمكن فعله هو مواصلة كتابة ما أعتقده، كما كنت أفعل منذ بدأت الكتابة المنتظمة عام 1995، حين تعلمت مبكرا لحسن الحظ بفضل تحريري لركن بريد القراء أن رضا كل الناس غاية لا تُدرك، وأن دور الكاتب أن يعبر عن رأيه فقط بما يرضي ضميره، دون أن يقع في فخ كتابة (ما يطلبه المستمعون) أيا كان الثمن وأيا كان هؤلاء المستمعون، وأن عليه فقط أن يهتم بكتابة رأيه بشكل جيد يرضى عنه قبل أن يدفعه للنشر، حتى لو لم يرض عنه بعد ذلك إذا تغيرت الظروف وتطور أسلوبه وذوقه.



• بعيداً عن الكتابة، كيف يقضي بلال فضل يومه؟

- أجبرني احتراف الكتابة منذ وقت مبكر بعد أن قررت ألا أعمل بشكل منتظم في أي مؤسسة على تطبيق نظام مع الأسف غير صارم، كنت أتمنى أن أنجح في جعله صارما لكني لا زلت أحاول، وهو تخصيص ثلاث ساعات على الأقل يوميا للقراءة، أحاول ألا يكون من بينها تصفح مواقع الإنترنت، وتخصيص أربع ساعات على الأقل يوميا للفرجة على أفلام ومسلسلات، بالإضافة إلى ثلاث ساعات للكتابة، وباقي الوقت أخصصه للعائلة والأصدقاء والنوم طبعا، وفي أيام عطلة نهاية الأسبوع أو الإجازة الصيفية يقل وقت العمل ويزيد وقت التسكع والفرجة والقراءة.

• ما هي هواياته؟

-الرغي مع زوجتي وأصدقائي ولعب الدومينو والتسكع في الشوارع والحدائق وهي لحسن الحظ كثيرة ومتوفرة في السنين الأخيرة.

• من هم أصدقاؤه؟

- أقرب أصدقائي إلى قلبي زوجتي وبناتي، وهناك أصدقاء ربما لا نلتقي كثيرا ونتحدث في الهاتف على فترات متباعدة لكن علاقتي بهم شديدة الأهمية على رأسهم الأستاذة عبلة كامل، بشكل عام أنا محظوظ بأصدقائي، خصوصا بعد أن أقمت في نيويورك التي كان من حسن حظي أن وجدت فيها مجموعة من الأصدقاء الذين كانت الغربة بدونهم ستكون أثقل ظلا وأشد وطأة.