loader
MaskImg

حوارات

الفنانة اللبنانية ماجدة نصر الدين لنخيل عراقي:- اكتشفتُ مع الوقت أن الطقوس ليست مهمةً بقدر أهمّية الإلهام والرغبة بالعمل

breakLine

 


حوار خاص بوكالة نخيل عراقي


تقديم:

ماجدة نصر الدين فنانة لبنانية بزغت مع حلول عام 1993 محمّلة برياحين الأرض وأحلامها.انتسبتْ لجمعية الامارات للفنون التشكيلية عام 1995. رحلتها لم تكن سهلة ولكنها مشت بثبات وإصرار لتقول أن الحياة لا تُقارب دون فن. لها خمسة معارض فردية في لبنان والامارات ومئات المشاركات في الامارات وحول العالم. عام (2020) كرمتها هيئة دبي للثقافة حيث كانت من أوائل الفنانين الذين مُنحوا الإقامة الذهبية ولقب فنان معتمد من قبلهم، يومها صرّحت أنّ الامارات منحتني وطنا في زمن عزّت فيه الأوطان.


حين ترسم تدخل في عالم من الأسئلة التي نادرا ما تجد أجوبة لها، فتكون عوالمها مزيجا من وعي ولا وعي، فتجدنها تكتب أغنية هنا وتغرس شجرة هناك ، تبحث عن وطن في الفوضى التي تسكن اللوحة أو رفيقا غاب ولكنه بقي في البال.كلما تعمّقنا في تجربتها هذه ندرك أنّها ما زالت في بداياتها وأنّه ما زال هناك الكثير لسبر اغوارها.. لطالما بحثت ماجدة عن وطن تضمّه ويضمّها من خلال ما تقوم به من فعل ابداعي.وهي بالنهاية لا تعلم أين ستوصلها طريقها ولكنها تحاول أن تستمتع بالرحلة مهما كانت شاقة وللتعرف عليها عن كثبٍ أجرينا معها هذا الحوار:-

 


*كيف تفسرين الفن أو تعبرين عنه؟
-الفن عالمي وملجأي، ملاذي حين يضيق صدري، دهشتي التي لا تنقطع، وطني الذي أبحث عنه بين ثنايا الحبر واللون، الفن هو جوهر هويتي والوسيلة التي أستخدمها لرؤية العالم. فأنا أؤمن انّ العالم لا يُطاق من دون الفن. الفن بالنسبة لي هو ذلك العالم الغامض الذي لا أنفكّ وبشكل يومي أن أتعلم تهجئة حروفه التي لا تنتهي. هو كالموسيقى التي تأخذ بيدي وتجعلني أرقص على أكثر من إيقاع، وإذا سقطت تلفّقني ذاك الصوت في أعماقي ليقول "إنهضي، إنهضي لا زلتِ في أوّل الطريق." أمّا كيف أعبّر عنه، فهو موضوع آخر، فالأساليب لا تعدّ ولا تحصى؛
أحبّ التجريب كثيراً لذا تجدني أتعلّم شيئا جديدا كلّ يوم، ربما لا أستخدمه في عملي بشكل مباشر، ولكنّه يكون قابعاً في اللاوعي فتنساب آثاره بطريقة أو بأخرى في زوايا العمل هنا وهناك.
من المهم أن نعلم أنّ الفن لا يولد بين ليلة وضحاها، ولا من لوحة أو إثنتين أو حتى معرض، بل هو نتيجة عمل هائل وتراكمات من التجربة والكثير الكثير من النجاح والفشل والمعاناة التي لا يشعر بها إلا صاحبها.

 

*متى يكون الفن خاطئاً؟ وهل يتوجب على الفن البقاء صحيحاً ؟

-الفن عالم مفتوح على الدهشة والأخطاء فيه مغفورة لأنها وعلى الأغلب هي التي تؤدي إلى اكتشافات أعظم على الدوام. تخيّل فنانا يرسم نفس اللوحة كلّ يوم ويبقى في منطقته المريحة دون المخاطرة او التطلّع إلى تطوير ما يملك من موهبة لأنّه يخاف أن يخطئ ويُلام، فيقع في الملل القاتل والرتابة المملّة. لا على الإطلاق ليس على الفن أن يبقى صحيحا بل على العكس كلّما أخطأنا كلّما تطورنا.  أنا أعشق الفوضى في الفن، فوضى الحبر، فوضى اللون وفوضى الحواس أيضا.. أعشق تلك اللمسات اللامصقولة التي لا تستطيع المكائن أن تنجزها، والتي تبدو آثار التعب فيها.

 

*من جانبٍ فني كيف أثرت فيك البيئة التي تنتمين إليها؟

-مما لا شك فيه أن الطبيعة الخلّابة التي نشأت فيها لعبت دور المعلم الأوّل في صقل ذاكرتي البصرية وذائقتي الفنية. كنت أصحو على رائحة الياسمين والجوري الأبيض؛ كان جبل الصنوبر أوّل ما تقابله عيني معانقا السماء المتدرجة ألوانها من الأبيض والسماوي إلى الليلكي الغامق والبرتقالي العتيق. بالإضافة إلى الصخور والزهور والأشجار والأنهار والعصافير والناس الطيبين الأليفين والكثير الكثير. بعدها، شاءت الظروف ان أستقرّ في الامارات العربية المتحدة، فأذهلني البحر ودوّختني الصحراء بكل ما فيهما من جمال مختلف، بالإضافة إلى شعبها الطيّب والمتطور بشكل يومي.

 


*كيف كانت دراستك للفنونِ الجميلة وما السبب في اختيار هذا التخصص تحديداً؟

-كانت من أجمل مراحل عمري، استطعت من خلالها أن أتعلّم الكثير الكثير ولكن الأهم من هذا ما تلا تلك المرحلة، أن تستمر في التعلّم والتطور هو الأصعب. أن تكون خطواتك راسخة وثابتة رغم كل الاحباطات التي تعترضك. أمّا لم اخترت هذا الاختصاص، لأني وبكل بساطة كنت مأخوذة بالفن والابداع، مهما عملت كنت أعود للعشق الأول وأجدني غارقة بالرسم على دفاتري وكتبي العلمية التي كانت من المفترض أن تأخذني إلى عالم الطبّ ولكني ما قدرت أن أتابع فيه. وهكذا، ورغم صعوبة الوضع آنذاك حيث أنّ لبنان كان في حروب متتالية داخلية وخارجية- ما عشناه في الحرب لم يكن يبشر إلا بالخراب وأنا ممتنة أنّ الله كان معي ووفّقني أن أحقّق شيئا أحلم به؛ وبالطبع، لا أنسى فضل رفيق عمري سامي الذي شجّعني وما زال يشجّعني على تحقيق طموحاتي.

 

*هل تعتقدين أن الفن قادر على إصلاح وتأهيل الإنسان والشعوب؟

-بالطبع! تخيّل معي لو أنشأنا الأطفال على فكرة أن الفن -بكافة أنواعه- ضرورة حياتية مثل الغذاء والهواء، ولو كانت المناهج الدراسية تقوم على فكرة أنّ الفن علم مهم مثله مثل الرياضيات والفيزياء مثلا، سنساهم حينها بإنشاء جيل واع متوازن بعيد عن التطرف والفراغ. لأن الابداع يحتاج إلى وقت وبهذا نقتل فراغهم الذي يمكن أن يضيعهم في معظم الأحيان. وهنا أودّ أن أعطيك مثلا على ذلك، منذ فترة طويلة، تعرفت إلى سيدة عربية، دُهِشَت حين علمت أنّي فنّانة تشكيلية، وأخبرتني أنّها تحبّ بيكاسو ومونيه والعديد غيرهم من الأسماء الكبيرة التي لا يفقهها إلّا المتخصصون، وأخبرتني أنّها زارت معظم متاحف العالم، ذُهلت وسألتها عن مكان نشأتها، فقالت في ألمانيا وأوضحت أنّهم كانوا يأخذون تاريخ الفن في المدرسة الابتدائية ويخصصون وقتا لا يقل عن وقت المواد العلمية للمواد الابداعية. لو قامت كلّ مدرسة بتخصيص بعض الوقت الجدّي للفنون، كنّا لمسنا فرقا لا يستهان به مع الأجيال القادمة. ساعة في الأسبوع للفنون في المدراس ليست كافية خاصة أنّ معظم المدراس تتعامل معها على أنّها ساعة فراغ، وهذا مؤسف جدّا.

 

*هل لديك مساهمات مع الأطفال في إعطاء الحصص أو الورش التدريبية في الرسم، حدثينا عن هذه التجربة.؟

-نعم، لديّ تجربة طويلة في التعليم وليس فقط مع الأطفال بل مع الكبار أيضا.
عاهدت نفسي منذ فترة طويلة أن أكرّس بعضا من وقتي لجعل الفن أكثر قربا وتواجدا في حياة الناس، فالناس بشكل عام لا تعي أهمية الرسم لأنهم يعتقدون أنه مقتصر على الناس الموهوبين فقط، فلا يقتربون منه ويتعاملون معه بخوف لأنّ الانسان عدو ما يجهل؛ ولأنّي أدرك مدى أهميته وفعاليته، بدأت بإعطاء دروسا تعليمية على اليوتيوب لكلّ المستويات وهي دروس مجانية متاحة بأي وقت..الرسم يساعدنا على تطوير أنفسنا والتعبيرعن هويتنا، ولديه قدرة علاجية عجيبة لأنه يعطي معاني جديدة للحياة والوجود. أؤمن أن الرسم يملك قدرة خارقة في علاجنا من الحزن والغضب والخذلان، أنصح الناس بإعطاء أنفسهم فرصة لتجريب ذاك الإحساس الرائع بالإنجاز، حتى لو لم يفلحوا فماذا سيخسرون، بعض الحبر وبعض اللون.


*ما هي طقوسك أثناء العمل على لوحةٍ أو موضوعٍ ما؟ وكيف يساعدك الإستماع للموسيقى في الرسم؟ وأي نوع من الموسيقى تفضل؟

-اكتشفت مع الوقت أن الطقوس ليست مهمة بقدر أهمّية الإلهام والرغبة بالعمل، أن يكون الفنان حاضراً ومتّقداً وكأنّه في حالة غليان إبداعي-أن صحّ التعبير- هو الأهم. أن تكون شغوفا وقادرا على الاستمتاع بما تقوم به من فعل إبداعي يفتح أمامك آفاقا لا نهائية، تدخل عالمك النابض بالدهشة لساعات قليلة، فتخرج إنسانا آخر وفي قلبك الكثير من الأمل والرضا؛ 
بالتالي، طقوسي بسيطة جدّا إن توفّرت الأسباب التي ذكرتها، الموسيقى رفيقتي الدائمة ليس فقط حين أرسم، فلا يخفى على أحد قدرتها على نقلنا إلى عوالم جميلة ورهيفة. ليس هناك نوعاً معيناً أفضّله، أيّ موسيقى مشغولة بحبّ وعاطفة تأسرني وتلتقط قلبي دون أن أشعر.

*هل تفعلين شيء آخر إلى جانب الرسم؟

-بالطبع، مسؤولياتي كثيرة تكاد لا تنتهي، أنا ربّة بيت وزوجة وأمّ لثلاثة بنات ولله الحمد في هذا، حاولت منذ البداية -وما زلت- التوفيق بين كافة مسؤولياتي ومتطلبات حياتي دون كلل أو ملل. أصدقك القول بأنّ الموضوع ليس سهلا والطريق لم يكن يوما مفروشا بالورود؛
واجهتني الكثير من العقبات ومن يعمل بالمجال الابداعي يدرك عمّا أتحدث؛ 
التحدّيات في مجال الابداع لا تنتهي، فأنا أكافح بشكل يومي لأتطوّر وأتقدّم وأقدّم الجديد، وهذا ليس سهلا خاصة مع المحاولة بعدم التقصير مع عائلتي وأهلي ومحيطي بشكل عام.
أؤمن أن الشّغف والثّبات والإصرار -في أي مجال كان- لا بد أن يوصلنا إلى ترك أثرا طيّبا بعد رحيلنا..

 

*لو كان بإمكانك عيش حياتك على أسلوبٍ فني لفنانٍ ما من سيكون؟! ولماذا؟

-ليس هناك فنان محدد أودّ أن أعيش أسلوب حياته، ما اودّه حقّا أن أملك وقتا أكبر للرسم والابداع وأن يرى العالم تجربتي على أوسع نطاق. ربما أطمح بأن يكون لدي مرسما كبيرا أفرد فيه لوحاتي بشكل مريح وأعمل على قياسات كبيرة أعشقها.. أشكر الله أن لدي مرسم صغير في منزلي وأنا ممتنة لهذا وهي نعمة بحد ذاتها وسأعمل على تحقيق طموحي بامتلاك مكان أكبر بإذن الله.
 


*ما هي خططك الفنية للمستقبل؟

-حاليا، أعمل على بعض المشاريع التي تحتاج لبعض الوقت، كتاب هنا معرض هناك وأمسيات متفرقة وورش كثيرة قادمة بالرسم وإعادة التدوير والكثير الكثير..
أحبّ أن أخبرك أيضا، أنّي مؤخّراً دخلت تجربة الرسم لكتب الأطفال من خلال كتاب لصديقتي الشاعرة والاعلامية لوركا سبيتي، وسيرى النور قريبا بإذن الله وهو صادر عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر.