loader
MaskImg

حوارات

الشاعرة و المترجمة السورية جاكلين سلام: " الشعر وثيقة جمالية فكرية وفلسفية وبأقل ما يمكن من الثرثرة"

breakLine

 


حوار خاص/ وكالة نخيل عراقي


جاكلين سلام هي شاعرة وكاتبة ومترجمة وصحفية من سوريا ولدت عام 1964م، وهاجرت إلى كندا منذ عام 1997م، واشتغلت في الصحافة المهجرية العربية في تورنتو منذ عام 1998م. وتعمل مترجمة وتشتغل في حقل الترجمة الفورية والوثائقية، وهي مُجازة في سبعة حقول (صحة، هجرة، قانون، مراكز اجتماعية،...)، وقد ترجمت من الإنجليزية إلى العربية صفحات من أدب سكان كندا الأوائل «الابوريجينال»، والأدب الأفريقي الكندي، وقصائد مختارة من الشعر الكندي. وقد حلت ضيفة على عدد من الجامعات الكندية وقدمت محاضرات وحوارات حول تجربتها في الكتابة. ولها نشاطات في عديد من التجمعات الثقافية في تورنتو منها: اتحاد الاعلاميين العرب في تورنتو – الملتقى الثقافي العراقي – الاتحاد العربي الكندي. كما ساهمت في تحرير نشرة «ضد الحصار»، وعملت مديرة تحرير جريدة «الأفق» في تورنتو كندا، وبعد هجرتها بعام توقفت عن الصدور، وعملت أيضاً في تحرير جريدة «أخبار العرب» التي تصدر في كندا.
و للتعرف عليها عن كثبٍ أجرينا معها هذا الحوار:

هو مفهومك عن الشعر؟ و هل أثرت التكنولوجيا على كتابتك الشعرية ؟

▪︎بتصوري أننا نذهب إلى كتابة وقراءة الشعر لإشباع حاجة الروح إلى الجمال الخلاق الأصيل الذي يهذّب إنسانيتنا ويوقظ فينا حساسية متفردة نحو الأشياء والكائنات الأخرى والكون بأسره. الفن الأصيل ليس محاكاة وتقليداً للقوالب الجاهزة، بل حفر في المجهول وعثور على قطعة شعرية مؤثرة وفاتنة. 
الشاعر ينقّب في وعيه ولا وعيه ومعرفته المكتسبة ليضع بصمته الفنية والروحية في نص يخبر عنه، وعن طبيعة مجتمعه وفكره ومعالمه الداخلية. الشعر وثيقة جمالية فكرية وفلسفية وبأقل ما يمكن من الثرثرة. 
أثر التكنولوجيا على الكتابة، قد يتجلى في بعض النصوص والمفردات أثر وسائل التكنولوجيا التي استخدمتها منذ سنوات. يوجد قصيدة بعنوان "عولمة" نشرت في مجموعة " كريستال" 2001 أصور فيها المأساة البشرية في هذا القرن من خلال الرسائل التي تصلني عبر البريد الالكتروني. لا يمكنني إحصاء المفردات والحالات التي كتبتها شعريا، وكان للتكنولوجيا أثراً واضحا فيها. 
كل كتاباتي الشعرية والصحفية تتم الكترونيا، إلا في الساعات التي يتعذر علي فيها أن أصل إلى هاتفي أو اللابتوب، فأكتب على مسودة ورقية بعض الأفكار الطارئة. التكنولوجيا يمكن التعامل معها كحالة شعرية، وهناك من يستخدمها للحرب والقتل والعدوانية.

س/ ما الذي وهبته الحياة لتجربتك الأدبية؟

▪︎ الحياة هي النبع الذي أستقي منه ولا أرتوي. لا أكتب الخيال العلمي حتى الآن، بل أكتب خيالاتي وهي تمر بمصفاة الأيام والأحلام التي تقترب من  تلك الجذوة التي تحاول الإبحار في عالم الأبجدية وصنع بديل جمالي يسد ما ينقص الحياة، وما يفيض عنها: جمالا، قبحا، عنفاً، شهوة، غربة، وأحجيات.

س/ ما الصفة التي تفضلين أن يتم تعريفك بها؟

▪︎حين أشتغل في مهنتي، أنا مترجمة رسمياً ( السيدة ترجمانة) ، وحين أتحدث عن الشعر فأنا الشاعرة، وحين أكون في البيت والمطبخ أنا أم سلام، اسمي جاكلين التي لا تحب الألقاب.

س/ إلى أي حدٍ يمكنك اعتبار الأدب سلوكاً لا هواية فحسب؟

▪︎ الكتابة الأدبية هي الصيغة الجمالية لما نرى أو نتكهن أو نحلم به. قد نكتب الخرابة والحرب، القبلة والقنبلة كي نعكس ما نؤمن به. 
الصورة النهائية للكتاب هي محصلة ما نريد قوله للعالم وللحياة. أنا أرفض ازدواجية المبدع وانفصامه عن القيم التي يكتبها ويدعو إليها. الكتابة مرآة الفكر والروح وليست أدوات ومساحيق للتجميل. ولكن في المجتمع العربي مساحة النفاق والشعوذة شاسعة، ولذلك نتعثر بطائفة من المشعوذين من الكتّاب والكاتبات والأدباء الذي لا تربطهم بالقيم الجمالية أواصر حقيقية. هناك ناس ناجحون في تجارة الحكي.

س/ أي التجارب الشعرية التي تتابعينها بحرص شديد؟

▪︎أقرأ الكترونيا وورقيا، بالعربية، والغالب بالانكليزية. لا أتابع أحداً بعينه إطلاقاً. اختار كتباً تناسب ذائقتي وأقرأ، وإن تعذر علي إكمال كتاب أهلمه بلا أسف. كنت ربما أنحاز إلى أسماء معينة في بداية التجربة. ولا أمجّد شاعرة ولا أديباً بل أستغرب من الأصدقاء في فيسبوك الذين يصدرون أسماء ويرشحون كتباً على أنها الأهم والأعظم. هذا استخفاف بالأدب لأن لا أحد لديه رجاحة علمية وفكرية كي يجزم بأنه قرأ كل ماصدر، كي يختار الأسم ويضعه على منصة التكريم المطلق دون غيره. 
نعم، هناك ذائقة شخصية وفردية وتتدخل فيها العلاقة الشخصية، فتجعل ما يكتبه صديقك، أهم من كل شعراء الكون. وهذه خارجة عن التقييم النقدي، بل تقع في إطار المودة والمجاملة لا أكثر.

س/ لم تكتبين ؟

▪︎ أكتب لأن الصمت موت وعنف. ولأن فراغ الصفحة الأبيض يثير الشهية والتحدي. بل أكتب لأنني أتعثر بكل هذا الفرح والحزن والدهشة أمام لغز الروح والكون. بل أكتب لأن الفكرة التي أردت أن أقولها لصديقي تغاضيت عنها لأنه نسي أذنيه في مكان آخر. أكتب لأن صديقتي أقفلت قلبها قبل أذنيها، بل لأن الأذن تخون ولا تجيد الانصات والتفسير. وأكتب لأنني تناسيت جوهر الكلام وأنا أغرق في عيني حبيبي. وأكتب لأنني أعشق الحياة والحرية.


س/ كلمة تقولينها كرسالة لهؤلاء الذين يتحدثون دائماً عن كساد الشعر ؟

▪︎ أرى في منصات سوشيال ميديا تذمر الكثيرين من ضحالة الشعر، فأقول: أنا أيضا أتذمر من هذا وأتذمّر من شدة التعصب القومي والديني في منشورات بعض الأصدقاء الذين أحتسب أن التجربة الطويلة في الترجمة والتأليف كان لا بد أن تشذب وتهذب أرواحهم وتنقيها من أمراض الطوائف والتدين السلفي وغيرها من العاهات التي تنخر في صلب الثقافة والأدب وعلى أرض الواقع. 
بكلمة أخرى، هناك تطفل وقح على الشعر لا يخفى على أحد. ولكن هناك تطفل أشرس على الرواية أيضا. لذلك قلت أيضاً: نريد الكثير من الجوائز للشعر والشعراء، كي يقل عدد كتّاب الرواية العربية قليلاً. 
وختاماً أذكر ما قال الشاعر التركي ناظم حكمت "أجمل الكلمات تلك التي لم أقلها بعد". 
هناك جمال، لم تعثر عليه أقلامنا بعد، فاذهبوا أيها الشعراء والشاعرات بحريتكم إلى منتهاها كي يعود للشعر وجهه البهي، روحه الثائرة على الفساد والقبح.