loader
MaskImg

حوارات

الأديبة السورية غادا فؤاد السمان

breakLine

الأديبة السورية غادا فؤاد السمان :
" يمثل لي العراق خطاً بيانياً مدهشاً و شاهقاً في حضارة صمدتْ حتى يومنا هذا "

 

حوار مع وكالة نخيل عراقي

 

تعتبر غادا فؤاد السمان واحدة من الأصوات الثقافية و الأدبية العربية لما تمتلكه من منجز أدبي و من تفاعل ثقافي بارز على مدى رحلاتها بين الشعر و الكتابة، بين دمشق و بيروت أو بين دمشق و العالم بعبارة أدق. 
غادا فؤاد السمان إذن هي كاتبة وشاعرة سورية دمشقية  مقيمة في لبنان منذ عام ١٩٩٢، وهي عضو في اتحاد الكتاب العرب. عملت في مجال الصحافة وكتبت في صحف سورية ولبنانية وعربية عدّة. 
صدر لها من الكتب «وهكذا أتكلم أنا»، «الترياق»، «بعض التفاصيل»، «إسرائيليات بأقلام عربية» و «الدس الصهيوني» و«كلّ الأعالي ظلّي».
و بطريقة الشعراء للتعريف عن أنفسهم تستطيع غادا أن تعرف نفسها من خلال أحد نصوصها قائلةً:-

يمتد الطريق إلى أحشائي 
يشدّني من خلف الأضلاع 
يراود نبضي غصّة غصّة، 
وانا الأسيرة بلا أغلال.. 
المعتقلة بلا قضبان 
البعيدة عن الهواء
عن الصباح والمساء 
عن المرح والفضاء، 
كأنما الوقت مع الوقت 
يصير مجرد شرنقة 
وانا يرقة مكتوفة الاجنحة 
فقدت مهارتها في التحليق.. 
أتراني وصلت أرذل العمر 
أتراه آن الاوان كي أترجّل 
عن صهوة الشغف والجنون
لأواصل النوم فوق الثرى
لا أكثر
ريثما أصير تحته...؟!

و للتعرف عن كثبٍ على أثرها الإبداعي و الإنساني أجرت معها وكالة نخيل عراقي هذا الحوار:-

١/
كيف تعرفين نفسك؟ كيف تعرفين العالم؟ كيف تعرفين الكتابة؟
ج/
ربما أكون الشاعرة التي انبثقت عن بياض الحبر، لتكون النقطة التي تغسل ضباب الحروف، أتقدّم نون النسوة كدرّة فريدة، أو أغلقُ شرياناً أحمقَ يمضي غارقاً في المتاهات، أو أضعُ حدّاً لدماغٍ سمجٍ يتمادى، أو أقطع دابر قلب أسود ينبض بحقدٍ ورعونة، تلك أنا مجرد نقطة آخر السطر حتى ينتهي
الكلام ويستبسل المعنى.. في عالمٍ هلاميّ زئبقي لم يتشكّل بعد، ولم يكتبُ له أن يحفظ ماء وجهه القبيح لسنواتنا العجاف، فهو مجرد قشرة هشّة لزيف كبير، كنا عبثاً نحاول هتك الأقنعة حتى باتت تميمة الاستمرار لسلالاتنا الساذجة التي تنهار ركائز سموّها وتتهدّم دعائم اِرتقائها كنتيجة حتميّة لخواء الروح ونفاد القِيَم وردم المحور الذي كان يستند إلى منشَئين لا ثالث لهما وهما "الإيمان واليقين" ليسود الخواء الممهور بالظلام الدامغ لواقعيّة الكارثة.. لهذا الكتابة تعكس فوضى النفوس، وفوضى العلاقات، وفوضى الأنظمة، وفوضى السياسة، وفوضى الثقافة، وفوضى المشاعر، وفوضى الجهل، وفوضى الإدّعاء،
وفوضى الرداءة،
وفوضى الهمروجات التي تتكاثر باللقائط كل حين بخصوبةٍ تهدّد المجتمع بالطوفان.

2 - ماذا تقرأين الآن ولماذا تقرأين؟!

ج/ 
القراءة لم تعد غذاءاً للروح فأرواحنا سُلِبَت منا على شرف المؤدلجين، و''المدبّجين" والمتحازبين، والمتزمّتين، والمطبّلين، والمنافقين، والمراوغين، والمسوّفين، والمفتين، والمشرعين، والممانعين، والمتاجرين، والملحدين، والمتدينين على حدّ سواء، فمجتمعاتنا مكتظّة بهؤلاء جميعاً، بدرجة ضاغطة وخانقة في آن كفيلة بالتشويش العام على مدار اليقظة، وكل واحد من هؤلاء يعطي نفسه كامل الأحقية في الهيمنة الكليّة على مشاعرك، واحاسيسك، ونمط تفكيرك، يحددون لك سلفا صيغة كل كلمة بأسلوبيّة غريبة عن ذهنك وذاتك، المهم انها منسوخة عن عُصابيّاتهم المريضة التي استفحلت في ظلّ غياب المنطق بعدما ضربوا الموضوعية عرض الحائط ولاذوا بعقائدياتهم الدوغمائية التي لا تتجاوز مرآتهم الشخصية، وهكذا استبدلنا التوق للفكرة،و الحنين المتواصل للشغف، باللامبالاة، وصرنا مجرد جثث متحرّكة في ثلاجات الموتى، نقرأ تقلبات الحرارة السياسية، ونتابع ترمومتر الانهيارات الاقتصادية، ونقلّب دجل العرافات على أمل العثور على بارقة تبشّر بانبلاج السواد وانقشاع العفن السائد والنتن المستتب ولو بعد حين.. في اوطاننا العرجاء وانظمتها العضال التي لم تعد تصدّر لنا سوى ملاحم الفساد وروايات الفساد وقصص الفساد التي ادخلتنا متاهة الذهول الذي يصعب إن لم نقل يستحيل الخروج منه.

3 - ماهي علاقتك بالقارىء؟!

ج/

العلاقة مع القارىء، علاقة حَذِرَة وشبه ميئوس منها، فالقارىء اليوم يبحث عن الطرفة في كل شيء، يبحث عن الصورة في أي شيء، يبحث عن الانثى من اجل اللاشيء، يبحث عن الجرأة التي تنسف أواصر التاريخ الذي رسم جغرافيا السيرورة الإنسانية التي تفقد إنسانيتها تباعاً، كما تفقد عملتنا قيمتها وتفقدنا قِيَمِنا تماما.

4/ما هو طموحك كمبدعة؟!

ج/
في مطلع التجربة عندما اقتحمتُ الوسط كفارسة واستللت قلمي كمحارب عتيد، كانت كلمة "الطموح" بمثابة تعويذة، بمثابة معتقد، مذهب، يقين.. اليوم قمة طموحي أن أحظَى بكهرباء 24/24 في وطن مستعار لثلاثة عقود تفاقمت فيه ساعات التقنين من 3 ساعات إلى 18 ساعة، وأحياناً 20 - في بلادنا الطموح لوثة، هبل، جنوح، لهذا تجد الجميع يعلن نفسه في أحسن الأحوال طبيباً نفسياً لينتزع منك هذا الوهم كما الضرس المنخور، وفي أسوأها تجده جلادا جاهزا ليدمرك أو يجهز عليك بالكامل، بعكس الغرب الذي يفتح لك الآفاق على غاربها حتى تكتشف نفسك ويساعدك ويساندك لتكون أنت ،لتستثمر أفضل ما فيك، هكذا تمّ ترويضي لأكون مجرد امرأة تخجل من كينونتها، وتلعن انتماءها، وتزدري مستقبلها الساذج، وتقتصر أحلامها على الأضغاث وكيفيّة العثور على قبر يتسع لعمرها المهدور وطاقاتها المعيبة وموتها المزمن.

5/ ما الذي تقدمه لك الحياة؟ ما الذي تقدمه لك اللغة..؟!

ج/ الحياة منصّة عرض متواصل لمسرحية هزلية مملّة اسمها الواقع، أول عمري قدمتْ لي عرضاً مريعاً اسمه الحرب الأهلية اللبنانية استمر ل20 سنة التهمت كل الجمال الموصوف في الذاكرة العرفيّة، ثم في بداية نضجي قدّمت لي الانهيار العراقي المريع، والعراق بلد الحضارة والفن والشعر والادب والتاريخ، ثم قدّمت لي سيناريو كارثي بداية هرمي اسمه الحرب السورية المفجعة، ولا أعلم إذا كانت تلك السنوات الواقعة بين حرب وحرب وحرب تعتبر حياة حقاً لم تقدّم لنا سوى الدم والمجازر والرعب والدمار...
ما الذي تقدمه اللغة؟ اللغة مرآة شفافة تعكس الواقع حرفياً لا نجرؤ أن نحدّق فيها طويلاً لأننا حتما سنصاب بالجنون، لهذا صارت اللغة أقل حرارة لأنّ حبرها تخثّر مثل كل الدماء التي لم تعد طرية وهدرت مجاناً على شرف السفلة والسفاحين.

6/ ما هو مشروعك.. ؟!

ج/ 
قبل أن أضيف إلى خيباتي بكل من عرفت، خيبة الفيروس اللعين "كورونا"، كنت أوضّب أوراقي لطباعة كتاب عن الحوارات الكثيرة والكثيفة والمنوّعة، وكتاب آخر أجمع كل المقالات النقدية التي كتبت عن تجربة غادا فؤاد السمان وجميعها بأقلام كبار النقاد العرب يوم كان الوسط الثقافي يعجّ بالأسماء المكرسة والمعروفة جدا، بعكس اليوم الذي شحّ فيه النقد والنقاد، لكن كل هذه المشاريع ارتطمت بحقيقة الأقفال التام حتى على أحلامنا.

7/ بماذا تفكرين..؟!

ج/

أفكرُ بكل الذين رحلوا، كيف رحلوا وتركوا كل شيء، وبكل الذين لم يغادوا بعد وكيف يتشبثون بكل شيء، وخاصة اولئك أصحاب الامتيازات والصلاحيات والمفاتيح السرية، وكأن هؤلاء لا يدركون مفهوم الرحيل ولا معنى النهايات.

8/ ماذا يعني لك العراق؟!

ج/
العراق يعني لي خطاً بيانيّاً مدهشاً في صواعده الشاهقة، ومريعاً في نوازله المذهلة..
شاهقاَ في حضارة صمدت حتى يومنا هذا، في شعرائه الذين فتحوا القارات القصية في محيطات اللغة والابداع، كالسياب والرصافي والنواب والتشكيل الخصب الذي ينافس دافنشي وبيكاسو وفان كوخ، ومريعاً في تعصّبه المذهبي، وكربلائياته الاستعراضية، وتمزّقاته الاجتماعية، وشروخه السياسية، للاسف المشهد الإعلامي لا يقدم  عراق اليوم بفنه وحضارته ورقيّه بل يحاول التركيز دائماً على مظاهر التخلف، وهذا مأخذ على الاعلام العراقي الذي لا يسوّق للصورة التي يستحقها للرأي العام.

9/ كيف تتخيلين العالم دون كتابه؟!

ج/
فيما مضى كانت فكرة من هذا القبيل كفيلة بإحالة الواقع إلى جحيم، اليوم لم نعد نستبعد أية فكرة مهما كانت على غرابة او استحالة، بعدما أصبحنا في صميم الجحيم وبلغنا بئس المصير.

10/ أين تجدين نفسك خارج النص؟!

ج/
خروجي من النصّ ليس حديث العهد، بل خرجت منذ خيباتٍ وخيبات، لا أخفي كم عانيت حين وجدّتُني خارج النصّ كمن فقد خيمته وعشيرته وعباءته، النصّ مأواي وملاذي، انتمائي ومداراتي الحيّة، لهذا أنا غريبة عن كل شيء كمن سقط سهوا في قاع لا قعر له ولا ملامح.

11/ ما الموسيقى التي تفضلينها؟!

ج/
فعلا الموسيقى سلواي وعزائي دائما، لا أنحاز بالمطلق إلى نوع دون آخر، يهمني "الهارموني" بين الآلات وبين محترفيها وطريقة تموضع فكرة اللحن وكيف يتمحور حولها، وهنا يأتي دور الموزّع وبيده إنصاف كلٍ من الملحّن والعازف والمطرب إن وُجِد، وهنا يحضرني اسم "جهار الحق المختار" موزع موسيقي جديد موهوب حساس مرهف ولافت جدا وله مستقبل لا شكّ باهر إن ثابر على جدّيته وواكبه الحظ والنبلاء لفتح الأبواب.

12/ اسألي نفسك سؤالاً واجيبي عليه؟

ج/
لم أبلغ الثمانين حتى أقول سئمت تكاليف الحياة، لكني سئمتها فعلا، فلا أعلم كم بوسعي الصمود بعد، وكم بوسعي المقاومة للظلم الذي نحيا وللظلام الذي يستتب في عالمنا الرهيب هذا وقد فُرض علينا أن نطيق ما لايطاق.