loader
MaskImg

حوارات

آخر حوار مع الناقد والمسرحي الراحل عدنان منشد

breakLine

 

في آخر حوار مع المخرج والناقد المسرحي الراحل عدنان منشد:
البعثيون حاربوني بشدة والتشفير حق من حقوق المخرج والمؤلف

 

حاوره – عدنان الفضلي

 

هو ابن المدينة التي كان لها الفضل الكبير في اغناء المسرح العراقي بالطاقات والكفاءات المسرحية امثال محسن العزاوي وبهجت الجبوري وعزيز عبد الصاحب وعزيز خيون وغيرهم الكثير ، حيث يعد المخرج والناقد المسرحي عدنان منشد ، احد ابرز الذين تواصلوا مع عالم المسرح ، فهو وبرغم تعرضه للمضايقات والاضطهاد السياسي من قبل ازلام النظام السابق ، الذين حاربوه عبر تقاريرهم الموبوءة ، الا انه استطاع ان يقدم نفسه كمخرج مسرحي متميز وناقد لا يجيد لغة المجاملة ، فحقق من خلال ذلك احترام جميع زملائه الذين صفقوا لموقفه ووقفته مع المسرح العراقي الاصيل، ولكنه لم يجد نفسه متوافقاً مع ما يحدث في العراق وعلى كل الأصعدة فآثر الإنزواء وبحث عن منفى يتسع لصمته فكانت الغربة هي آخر حلوله حيث غادر الوطن طواعية وقسرياً في آن واحد .. ولتسليط الضوء على هذه التجربة كان لنا هذا الحوار معه

 

* في ظل اندحار العصر الموبوء بالتسلط ، هل استطاع المسرح ان يعلن عن حريته ؟


- لم يعلن المسرح العراقي عن حريته بعد ، على الرغم من سقوط سلطة الرقيب الرسمي اثر سقوط الصنم الاكبر في ربيع 

2003 ، والاسباب يدركها رجال المسرح وشبابه وسيداته الفاضلات . لذا من حقي او من حق أي عراقي غيور السعي لبناء عقلية جديدة على انقاض العقول السائدة التي تحاول جرجرة مسرحنا الى كل ما هو متخلف وشاذ ورتيب ، بل من حقي او من حق الجميع غرس نبتة في التفكير العلماني الحر المستقل الذي لا يخاف ولا يعبأ بالتضحيات والاضاحي في هذا الزمن المفخخ العجيب ..من حق الكل ايضا اثارة جو ساخن من الاسئلة والتساؤلات حول المأساة التي تتردى فيها ، وحول اصل الداء وحول ما يوصف له من دواء . اذ لم يعد منطق التحصن والدفاع عن الهوية العراقية كافيا لاداء دور البتة في الحصول عليها ، الا بانتاج ثقافي جديد ، مدعوما بالصورة البصرية والسمعية الكوكبية الجديدة ، وبشواغل معرفية وفكرية قادرة على الخروج ومواجهة العالم .

 

*ما يقدم من اعمال في الخارج ، هل يمثل مرآة حقيقية للمسرح العراقي ؟

 

-ابدا !.. انها اعمال مسرحية قد تصب في النشاط الفني خارج الوطن ، ولا يمكن بالمرة احتسابها على مجمل الفاعلية المسرحية العراقية التي دشنت مدارسها واتجاهاتها الفنية والجمالية التي عاناها جمهور النخبة المسرحية في العراق ، بعد مشاهدة ثلاثة اعمال مسرحية متنوعة لثلاثة مخرجين عراقيين مغتربين ، كنا نعدهم امثولة في مشهدنا المسرحي خارج العراق ، وهم على وجه التحديد : جواد الاسدي ، وحازم كمال الدين ، وراجي عبد الله . والخيبة كل الخيبة ان هذه الاعمال ، لم نجد فيها شيئا جديدا يقارب انهماكات سامي عبد الحميد او صلاح القصب او فاعلية المخرجين الشباب وشواغلهم في مشهدنا المسرحي . على العكس تماما ، شاهدنا عروضا ضعيفة الشكل ، هزيلة المحتوى ، تذكرنا كل لحظة بالايام الضائعة والاوقات الفارغة ، والامال الخائبة .

 

*تشفير النص الذي بات ملازما للكثير من الاعمال المسرحية ، هل تجد انه لابد منه في ظل واقع خال من الرقابة ؟

 

- تشفيرالنص ، هو من واجب المؤلف والمخرج المسرحي المجتهد في أي زمان ومكان . ولا اعتقد ان مخرجاً مسرحياً لدينا يتنصل عن هذا الواجب ، حتى وان غابت عنه الرقابة الرسمية السابقة ذات الطابع البطرياريكي المقيت ، انا شخصيا كفنان مسرحي ، اجد في هذا التشفير لغة تواكب شواغلي مع ثورة الاتصالات العولمية الجديدة التي بدأت تطرق ابوب مخادعنا بعد سنين طوال من انتاج التخلف بدلاً من محاولة القضاء عليه ، وتلعب الصورة البصرية والسمعية المنتجة عن هذه الثقافة او تلك دوراً مهماً ، خلافاً عن الصور المتداولة الرتيبة ، التي ليس بمقدورها تحقيق موقع امن لها ، اذ لا مناص في التفاعل الحي والايجابي الا عبر دخول العالم بشروطه ومنطقه الجديد .

 

*كيف تنظر لتسمية (مسرح المحافظات ) التي يتداولها منظرو المسرح العراقي ؟

 

- شئنا ام ابينا ، فالمسرح في المحافظات له حضور فاعل ومؤثر في مشهدنا المسرحي الراهن ، بعيداً عن الثنائية المقيتة التي تحاول ان تخلق جدلاً هلامياً بين سلطة المركز وسلطة الاطراف . شخصياً ، اعتد بتجارب حميد صابر وياسر البراك وثورة حسين وناجي كاشي ومحيي الدين زنكنه وجليل القيسي ومهدي السماوي ويعرب طلال وحميد مجيد مال الله وطلال حسن وعلي عبد النبي الزيدي في البصرة والناصرية والسماوة وبعقوبة وكركوك والموصل ، وما ينبغي علينا فعله الان ، هو الانخراط في محاولات تعاونية كي يفهم احدنا الاخر ، لا في محاولات للزعيق بصوت اعلى تجاه الاخر .

 

*توقفت عن العمل المسرحي الحقيقي ، واعتمدت على الكتابة والعمل الصحفي . هل لهذا التوقف مبرراته ؟

 

-هذا سؤال اشكالي معقد ، ولهذا اقول ، وببساطة شديدة ، انني منذ وعيت حياتي الثقافية ، كقاص ومخرج مسرحي وناقد في منتصف السبعينات وحتى الان ، اجد نفسي في العمل الصحفي كوسيلة للعيش في ازمان صعبة حقا، وعلى الرغم من تخرجي من كلية الزراعة اولاً ، ثم تخرجي من كلية الفنون الجميلة _ قسم الاخراج المسرحي ثانياً ، الا اني لم اجد في شهادتي الكليتين المذكورتين دافعا للعمل في اجهزة الدولة العراقية خلال الزمن البعثي المقيت ، الا بملأ الاستمارة والانضمام الى حزب البعث الاشتراكي ، الذي يتعارض مع توجهي اليساري المعروف . ولهذا عملت في الصحافة الخليجية خلال اعوام الحصار التسعيني المنصرم ، بعد ان نسيت ولعلي قد تناسيت ، ان المصيبة اذا كانت الكتابة تعيد الانسان الى السماء احياناً ، وفي احيان اخرى تبعده عنها ، المصيبة انها طريق الى الله ، وهي ايضاَ طريق الى الشيطان ! .. ولهذا ، كانت اعمالي المسرحية على صعيد الاخراج محدودة ، ومنها ( ساعات كالخيول ) و ( ربليكا ) و ( حزن يوم ثقيل ) وما وراءها كان اليباب الكامل ، بفعل تقارير لجنة المسرح العراقي التابعة لديوان الرئاسة المقبور التي تعاديني شخصياً وتعادي فرقتي ( مسرح اليوم ) وتعتبرنا انموذجا شيوعيا.

 

*كيف تقيّم الواقع الحالي للمسرح العراقي ؟
 

- الواقع الحالي لمسرحنا العراقي بائس ومرير بعد التحولات الدراماتيكية العجيبة التي شهدها الوطن منذ يوم 9/نيسان /2003 وفي ما لو جمعنا الشعارات السياسية والهتافات التي دوّت في سماء العراق بعد هذه التحولات ، لسمعنا اصواتاً لا يفعّل معناها ، ولوقفنا امام صورة مريعة في تشوهها . ومع ذلك ، فانني ما زلت اردد في كل مناسبة ، بان مسرحنا العراقي لا ينتمي الى مدارس مسرحية شائعة بقدر انتمائه الى مفاهيم التجريب والحداثة واشكالية العرض المسرحي ، تاليفا وتمثيلا واخراجا وفي التقنيات ايضاً ، فمنذ تجارب الجيل الريادي الاول المتمثل بحقي الشبلي وجاسم العبودي وابراهيم جلال وجعفر السعدي وسامي عبد الحميد وبدري حسون فريد وجعفر علي وبهنام ميخائيل ، فضلاً عن تجارب الجيل الثاني من المسرحيين ، مثل قاسم محمد وسعدون العبيدي ومحسن العزاوي وعزيز عبد الصاحب وعوني كرومي ، وما تلاهما من جيل ثالث يؤثر ( الواقعية ) او (المحلية ) بحساسيتها الجديدة او خطاب المعرفة او الاشكالية الجمالية او خطاب الصورة المسرحية ، كما في اعمال فاضل خليل وعزيز خيون ومهند طابور وعقيل مهدي وشفيق المهدي وعادل كريم وصلاح القصب ، على التوالي .. ومن تاثير هذا المثلث ظهرت مختلف الاشكال والنماذج للمشهد المسرحي وانساقه الجمالية والفكرية ، وهذا امر طبيعي في ظل عدم استكمال الصيرورة الديمقراطية العراقية المعاصرة في عراق كان يرزح بظل الديكتاتوريات العسكرية المتعاقبة حتى سقوط سلطة الدكتاتور الاكبر صدام حسين ، ومن هذا المنطلق ، اقول ، ان للمسرح العراقي فيما مضى اثراً في المشهد العربي والاقليمي والدولي ، واثره الان لا يقل اهمية عن معاني الحياة والموت ، الا انها مجرد دورة ، سوف تنتهي بانتهاء دورة العنف التي صنعها نظام خارج التاريخ ، وهي عبرة للمستقبل ، سيما وانه مصدر الرهان الاكبر لنا جميعاً .

 

*خطاب مسرحي توجهه .. ماهو ولمن ؟
 

- ان كان لي ثمة خطاب اخير اوجهه لكافة العراقيين ولقبيلة المسرح بوجه خاص ، اقول : لقد تغيّر الواقع السياسي في العراق ، وهو في طريقة الى ان يتخذ معالم الصورة التي يستحق هذا الوطن ان يتأطر بها ، وهي مهمة تتجاوز حدود التعامل المباشر مع ارث حزب البعث ومخلفاته المقيتة في العراق ، خصوصا وان غرابة هذا الحزب قد القت بظلالها على الكلمات الجميلة ، وجعلتها هراوة خشنة ، بل سياطا لجلد العقل والضمير ، وهي حالة نادرة للغاية في التاريخ السياسي للاحزاب في كل مكان .. عسى ان يكون خطابي هذا مسموعاً من كافة الاحزاب والاطراف والفئات السياسية الراهنة ، من اجل العمل على منظومة المرجعيات الثقافية الكبرى في هذا الوطن ، ومعاصرة المستقبل ، من خلال مرجعية الحرية والحقيقة ومرجعية الحق والنظام ، ومرجعية الاصلاح الدائم .