loader
MaskImg

المقالات

مقالات ادبية واجتماعية وفنية

يوسف الصائغ.. الباحث عن كلمة حبّ وقبلة

breakLine

قحطان فرج الله || كاتب وأكاديمي عراقي

 

 

أجبتُ الهوى لمّا دعاني بزفرةٍ

              تقنَّعتُ منها أن أُلامَ ردائيا

كان من بين مبرراتي الكثيرة لشراء مجلة (ألف باء) أيام دراستي في كلية الآداب أن أقرأ ما يكتب على غلاف الصفحة الأخيرة عمود يوسف الصائغ (على نار هادئة) الصائغ الذي هام (بمالك بن الريب) الشاعر الذي حاول اخفاء لوعته ودموعه بكم ردائه فانسابت بهدوء وحرارة ما زال لهيبها يلفح الوجوه، فتمطر الحزن على صورة ابتسامة كما يقول الجواهري مقتنصًا ببراعة تلك الحالة الانفعالية الغزيرة:

-حببتُكَ باسِماً والهمُّ يَمشي; 

على قَسَماتِ وجهِك باتِّزان; تُغالِبُه وتَغْلِبُه إباءً; 

كأنّكَ والهمومَ على رِهان

يُزَمُّ فمُ فما تُفْضِي شِفاءٌ 

ويخفى السر لولا المُقلتان 

على مُوقَيهِما مَرَحٌ ولُطْفٌ وإنساناهما بك متعبان 

تفيضُ طَلاقةٌ وتذوبُ رِفقاً 

ووحْدَكَ أنتَ تدري ما تُعاني

وما أغلى الرجولة في شفاه

مُغَلَّفة على ألمٍ  مُصان 

عندما يعود الماضي بثوب الحاضر خالعًا قيد الزمن ليسمعنا "صوتا كنا قد سمعناه من قبل، وحين ننشق رائحة كنا قد نشقناها من قبل، فعندئذ، -بالذكرى- نكون قد سمعنا ذلك الصوت ونشقنا تلك الرائحة في الماضي وفي الحاضر معًا، وحينئذ فقط يزول حاجز الزمن، وتبرز إلى الوجود المتصل المستمر حقائق الأشياء في جوهرها الخفي، وتستيقظ ذواتنا الأصيلة التي كان قد خيل إلينا أنها ماتت واندثرت آثارها… إن لحظة واحدة نعيشها اليوم مع من عاشوها في الماضي، كفيلة وحدها أن تفك عنا قيود الزمن التي فصلت حاضرنا عن الماضي" كما يقول بروست في (البحث عن الزمن المفقود) واحسبني اعيش الآن تلك اللحظات بعد صدور يوميات الأديب الراحل (يوسف الصائغ) "رحمه الله" عن دار سطور وبتحقيق الدكتور قيس الجنابي (يوميات/ يوسف الصائغ، أبدًا ليس بالحبّ وحده نحيا)… 

إن كتابة اليوميات فن يحاول التقاط الواقع المعاش بدقة  متجنبًا الفاصل الزمني الذي يحول الأحداث اليومية إلى ذكريات قد تخبو جذوة حرارتها إذا دونت في غير وقتها.

 وانا ارى ان هناك فرق كبير جدًا بين انفعال الكاتب المتوقد في اليوميات، وبين السيرة التي تحاول استرجاع انفعال ربما قد انطفاء في الداخل  بعامل الزمن والاحداث المتلاحقة ومن هنا تكمن اهمية هذا النص الأدبي الرفيع… 

في النموذج الأول يكون النص ممسكًا بحرارة الرغبات الإنسانية فيصيب بدقة ما هو محبب له وما هو كريه، مرتبطًا بالحدث وظرفه الواقعي والتاريخي، وبين الحقائق التي تكتب في السيرة التي تمثل الانطباعات عن تلك الحقائق بعد أن غادر الكاتب الانفعال المطلوب لها….

تُعد كتابة اليوميات من أكثر الأجناس الأدبية حضورًا في العالم الغربي، ولكنها أقل في مجتمعاتنا العربية، وإن حضرت في بعض الأحيان فهي خجولة ومواربة، لا تعتني بالمكاشفة والاعتراف لكي تُغني التجربة وتميط اللثام عن مواقف غامضة،  الكتابة اليومية عن الذات ترتبط بكينونة الفرد واستنطاق ذاته دون تمثيل أو خداع، سيرة كلّ شخص تمثل مقدار وعيه بالزمن ومتغيرات الحياة والمواقف، والقدرة على المواجهة.

إن يوميات يوسف الصائغ كأديب عراقي مرموق تمثل وثيقة أدبية رفيعة تحمل في ثناياه مهارة بلاغية وابداعية مدهشة، وكذلك هي تكشف الان هيمنة الصراع الثقافي الرافض لقبول الأدب كعنصر مشكل للمشهد الثقافي العراقي خارج الايديولوجية الضيقة …

إن كلّ مثقف له ظروفه الاجتماعية التي تشكل علاقتــه

بالمجتمع، والمجتمع إنما يوفر المادة الأولية التي ينطلق منها الأديب في صياغة عالمه الفني، فلا يمكن الحكم على عمل فني بالسجن المؤبد لان صاحب النص صاحب ميل فكري معين …فالمجتمع وعلاقته بالمثقف في صراع وصدام، دائم و"الصراع بين الفرد والمجتمع طرفان في المعادلة لا يستويان"،  أو كما يقول ممدوح عدوان : إن الفنان إذ يكتشف صفاءه، يكتشف عكر العالم، وتصطدم صلابة صفائه بصلابة العالم وهذا الاصطدام يولد الشرارة الأولى المضيئة للعالم، إن الفن ينبع دائماً من هذا الصدام، من الرغبة أن يفقد الإنسان صفاءه، ويصبح هذا الهم الذاتي جذرًا لهموم الناس جميعا ".

ومن بين هذا الصراع يولد النص الفني غريباً متمردًا كنتاج لهذا الصراع الذي يراه الأديب صفاءً يضيء مجتمعه وعالمه، ويصوغ هذا النتاج في أعماله الأدبية بصورة إبداعية مرتبطة بالمجتمع الذي تصارع معه، تقول نازك الملائكة: " إن الصورة الفنية كالبناء والهيكل والصور والانفعال والموسيقى والفكرة والمعاني الظاهرة والخفية هي في الحقيقة مرتبطة بالمجتمع كموضوع يشغل الأديب…

إن ما كتبه الصائغ مهم ومهم جدًا لابد من الاعتناء به ودراسته بدقة وعناية لما يمثله من كنز نثري مهم من حيث المضمون والصياغة، فحالة الغربة والتوتر التي عاشها الصائغ هي حالة المجتمع العراقي ككل، ولكن لكل شخص موقف من الحياة بين خانع  ليس لديه القدرة على المواجهة، أو رافض للمجتمع وما فيه من تناقضات، وكل هذا يبرز كسمات تشكل هيكل الإنتاج الفني للأديب، فلا يوصف بالعزلة أو الهروب من الواقع، والدليل على ذلك أن المتمرد الرافض لمجتمعه يتمسك بحق أصيل، وهو كشف سلبيات المجتمع التي فرضت عليه بطريقة ما ، ومحاولة منه لوضع حد لهذه السلبيات،ولئن كان الإبداع رفضاً للعالم فإنما يتم ذلك سعياً وراء خلق خادم اخر هو العالم الفني، 

إن "الذي يكتبه المبدع، يكون نتيجة لرفضه الواقع وإحساسه بما يكتنف هذا الواقع من نقص، وغالبًا يرى الفنان، إن مساحة النقص كلما ازدادت في الواقع الاجتماعي عليه اكمالها وتجاوزها في العمل الفني.

 

  • الحوار المتمدن 

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي