loader
MaskImg

المقالات

مقالات ادبية واجتماعية وفنية

هل تُسقط النسبية الأخلاق؟

breakLine

 

 

كلكامش نبيل | كاتب عراقي


في سنوات المراهقة الفكرية، وغالبًا ما يقيم اليساري في هذه المرحلة أطول من غيره، يكتشف الإنسان نسبية الأخلاق والعادات ويثور عليها، ويتساءل عن سبب هوس المجتمع بتنظيم الجنس. لطالما اعتبرتُ المحافظين مهووسين بالجنس في قرارة أنفسهم وبتقييده في الفضاء العام، لكن الأمر لا يعني أن المتحررين غير مهووسين بالجنس، فهم أيضًا، وإن أنكروا، كثيرًا ما يختزلون الحرية بالجنس، وهكذا يجمعهما ذات الهوس وإن اختلفت التوجّهات بين تقييده وإشاعته. مع ذلك، يرى «ديورانت» أن وظيفة الأخلاق الأساسية ترتبط بالتنظيم الجنسي، نقرأ في موسوعته «قصة الحضارة»:

«إن أعظم مهمة للأخلاق هي دائمًا التنظيم الجنسي؛ لأن غريزة الإنجاب تخلق مشاكل ليس في وقت الزواج فحسب، بل قبله وبعده، وتهدد هذه الغريزة في أي لحظة بزعزعة النظام الاجتماعي باستمرارها، وحدّتها، وازدرائها للقانون، وانحرافاتها».

ويتوصل «ديورانت» بعبقرية إلى أهمية الأخلاق، كما أدرك ذلك الإنسان البسيط قديمًا والفيلسوف أناخارسيس في القرن السادس قبل الميلاد، ما يجهله المراهق الذي يثور بعد قراءته للقليل من الكتب أو «اقتباسات» صفحات السوشيال ميديا، ويثبت أن لا بد من وجود قواعد لكل «لعبة» وأن قدرة الإنسان على توقّع سلوك أفراد مجتمعه يسهّل التواصل. ذكّرني ذلك بنقاش مع صديق «مؤمن» ذات مرة، تحدّث فيه عن صعوبة التعامل مع الليبرالي المفرط في النسبية أو الملحد لأن قواعده الأخلاقية غير محددة بوضوح. في حينها، اعترضتُ بشدّة، لكنه على حق، لأن القواعد – على مساوئها – وتوقعها ضروريان للتفاهم. نقرأ في موسوعته «قصة الحضارة»:

«يجب ألا نستنتج أن لا قيمة للأخلاق بسبب اختلافها باختلاف الزمان والمكان، وأن نظن أن من الحكمة أن نبرز معرفتنا التاريخية من خلال نبذ العادات الأخلاقية لمجموعتنا على الفور. القليل من المعرفة الأنثروبولوجية أمرٌ خطير. ومن الصحيح إلى حد كبير أنه - كما عبر أناتول فرانس عن الأمر بسخرية - «الأخلاق مجموع تحيزات المجتمع»؛ وأنه، كما قال أناخارسيس بين اليونانيين، إذا أردنا الجمع بين جميع العادات التي تعتبر مقدسة من قبل مجموعة ما، وإزالة جميع العادات التي تعدّها مجموعة ما غير أخلاقية، فلن يبقى شيء». لكن هذا لا يثبت عدم قيمة الأخلاق، فهو يظهر فقط الطرق المتنوعة التي حافظ الانسان من خلالها على النظام الاجتماعي. النظام الاجتماعي ضروري رغم كلّ شيء، فلا بدّ من وجود قواعد لأية لعبة حتى يمكن لعبها، ويجب أن يعرف الناس ما يمكن توقعه من بعضهم البعض في ظروف الحياة العادية. وعليه فإن الإجماع الذي يمارس به أعضاء المجتمع قانونهم الأخلاقي لا يقل أهمية عن القوانين المكتوبة».

بالطبع، هناك الكثير من العادات والقوانين غير المنطقية والضارة، مثل لبس الحلقات لإطالة أعناق نساء الكايان في ميانمار – التقيتُ بعضهن في مخيم للاجئين في شمال تايلاند – أو تقييد أقدام الصينيات قديمًا لمنعها من النمو. كل هذه العادات وغيرها سيئة، ولكن هذا لا يبرّر إسقاط كل الخبرات البشرية على مدى آلاف السنين. وصف «ديورانت» ذلك بسطورٍ من ذهب، قائلا:

«إن رفضنا البطولي لعادات وأخلاق قبيلتنا، عند اكتشافنا في سن المراهقة أمر نسبيتها، يكشف عدم نضج عقولنا؛ مع مرور عقد آخر، نبدأ في فهم أنه قد يكون هناك من الحكمة في القانون الأخلاقي للمجموعة - التجربة المصاغة لأجيال من ذلك العِرق – ما يفوق ما يمكن تفسيره في دورة جامعية (مساق في الكلية). عاجلاً أم آجلاً، يصل إلينا الإدراك المزعج أنه حتى ما لا نستطيع فهمه قد يكون صحيحًا. إن المؤسسات والاتفاقيات والعادات والقوانين التي تشكل البنية المعقدة للمجتمع هي من عمل مائة قرن ومليار من العقول؛ ويجب ألا يتوقع عقلٌ واحد أن يفهمها في عُمرٍ واحد، ناهيك عن عشرين عامًا. وهكذا يكون لدينا ما يبرر استنتاج أن الأخلاق نسبية ولا غنى عنها في الوقت نفسه».

مع ذلك، يصيب الغرور المراهق واليساري ويتباريا في إسقاط كل شيء بسذاجة وقصر نظر. عن بعض فوائد ما نعدّه قيودًا بغيضة – كالعذرية والحشمة – يقول «ديورانت»:

«وبما أن العادات القديمة والأساسية تمثل اختيارًا طبيعيًا لطرق جماعية بعد قرون من المحاولة والخطأ، فيجب علينا أن نتوقع أن نجد فيها على بعض المنافع الاجتماعية، أو قيمة للبقاء، في العذرية أو الحشمة، وعلى الرغم من نسبيتهما التاريخية، وارتباطهما بالزواج عن طريق الشراء، ومساهمتهما في تطوّر العُصاب. كان الاحتشام بمثابة ميزة استراتيجية تمكّن الفتاة، حيثما كان لها أي خيار، من اختيار شريكها بشكل أكثر تعمدًا، أو إجباره على إظهار صفات أفضل قبل الظفر بها؛ والعوائق ذاتها التي وضعتها ضد الرغبة ولدت مشاعر الحب الرومانسي التي زادت من قيمتها في عينيه. لقد دمّر غرس العذرية طبيعة الحياة الجنسية البدائية وانسيابيتها؛ ولكن عدم تشجيع النمو الجنسي المبكر والأمومة المبكرة قادا إلى تضييق الفجوة بين النضج الاقتصادي والنضج الجنسي ـ وهي فجوة تميل إلى الاتساع بشكل معطل مع تطور الحضارة. وربما كان ذلك يخدم بهذه الطريقة تقوية الفرد جسديًا وعقليًا، وإطالة فترة المراهقة والتدريب، وبالتالي رفع مستوى العِرق البشري».
 

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي