loader
MaskImg

المقالات

مقالات ادبية واجتماعية وفنية

موتيف القضية الحسينية في قصيدة النثر المعاصرة عند الشاعر سعد ياسين يوسف

breakLine

فرحان بدري الحربي/ ناقد عراقي

 

يتنوع أثر القضية الحسينية بأبعادها الإنسانية، الوجدانية والدينية والسياسية والاجتماعية، في الشعر العربي ومن ضمنها النظر اليها بصفتها موتيفاً فنياً متجدداً يوحي بفاعليتها على مستوى القيمة للأدب بجانبيها الموضوعي والجمالي فهي قد تحولت عبر الازمنة من فرضية انتمائها لغرض الرثاء، ضمن أجناس الشعر بموجب تصنيفات الاغراض الفنية في نظرية الادب الكلاسيكية ، الى منتج فني أدبي ذي أبعاد فكرية فنية عبر العصور.
بيد اننا يمكن ان نشخّص لها حضوراً فنياً مائزاً ضمن محتوى نظرية الادب المعاصرة المعتمدة فرضية النص في التعامل مع المنتج الابداعي الادبي من خلال امكانية تجاوز الحدود الفاصلة بين اجناس الادب، وذلك بتشكلها في  قصيدة النثر التي أصبحت معطاً ابداعياً لنموذج الشعر المبني على اللغة الشعرية، المنزاحة في البناء والمعنى، والمتضمن لحمولة الأثر الفكري في الاقناع فضلا عن التأثير العاطفي.
ولتمثيل فاعلية موتيف القضية الحسينية في قصيدة النثر نقرأ ما كتبه الشاعر سعد ياسين يوسف الذي غرس شجرتين ضمن جنة البهاء الحسيني هما: (شجرة كربلاء /1 ، ضمن مجموعته: شجر الأنبياء، و  شجرة كربلاء/ 2 ضمن مجموعة :أشجار لاهثة في العراء) اذ يتمثل الموتيف فيهما بوصفه الفكرة الرئيسة في الادب او انه الموضوع الحافز والباعث الذي يتكرر في الإنتاج الأدبي وكذلك يمكن ان يظهر بشكل مفردة مكررة تحمل دلالات وإيحاءات رمزية وثيقة الصلة بنفسية الشاعر و توجهاته وآرائه، فلنقرأ النص التالي:
) شجرة كربلاء /١)  

"الأرضُ والسَّماء
ما بينهما
عطشٌ مريبٌ للدِّماءِ
وسيوفُ رملٍ
هاجها توقُ الجنونِ
إلى العيونِ
والأرضُ تميدُ بثقلِها
حَرّى لمتكأٍ
فتستقرُ حمامةً
على كتفِ البراق
عطشُ الرِّمالِ مُؤججٌ
وهجيرُ صحراءِ الفراتِ
مشرعٌ
لقيامةِ الرّملِ إلى العيونِ
وهجُ العيونِ المشرفاتِ،
على المدى.
الأرضُ مائلةٌ،
وخيوطُ الشَّمسِ
غطتْ مدى الصحراءِ
لكنَّما عطش الرِّمالِ
أفاعيها التي اصطخبتْ
موجاً من الرَّملِ
استفاقَ بها جنونُ الجاهليةِ
كي تئدَ العيون
بكلِّ قتامةِ الصّحراءِ
سيفُ الرملِ
يهوي
فيسيلُ دمٌ على الرِّمالِ
وتدوّي صرخةُ الدَّمِ
لا
"يا سيوف ... خذيني"
تصلُ السَّماءَ
تعلو رايةٌ هي كربلاء التي انبتتْ
شجراً
يشعُّ من لائِها وهجُ العيونِ
من أوّلِ الفتحِ
لآخرِ الزَّمانِ."
يقوم هذا النص على تصوير سُريالي بلوحة شعرية تستدعي فكرة واقعة كربلاء التي منها انطلقت القضية الحسينية ونجد عناصر هذه اللوحة الشعرية من الدوال تتعاضل في علاقاتها ابتداء من اتساع أفق الانتماء في دال السماء وهو تمثيل لفكرة آيديولوجية عن القيمة العليا او الدين في مقابل الارض التي تمثل المادة بعنصرها المجرد (الرمل) ويأتي عنصر (الدماء ) ليكون آصرة التحول  في الصراع بينهما.

  فالأرض عطشى للدماء وتميد بحركتها على الرغم من ثقلها المادي ثم تأتي حركة مضادة تحاول ان تعادل اهتزازها لتعيدها الى صورة الاستقرار من خلال جمله: (حمامة على كتف البراق) وتعلو رمزية العامل المضاد بصفته الأيدولوجية العليا وهو ما يرمز الى موقف الحسين، عليه السلام، من دون ذكرٍ لإسمه او صفته المادية وتبدا حركه الصراع المضطربة في قيامة الرمل وتمادي مستوى الطلب غير المشروع الى افق العيون حتى يتحول (الرمل) المادي الى سيوف مجازاً ثم يضطرب المعيار المنطقي بفاعلية السحر المشوش للحقيقة ( الكذب ) ويأخذ دور الحقيقة ( يسلبه) فتتصور السيوف كأنها أفاعي الصحراء، وهنا استدعاء لقصة التحدي التي حدثت بين موسى عليه السلام والسحرة، وتختلط الصور بموج الرمال الذي يستفيق به الجنون بسبب الجهل (أفاعيها التي اصطخبتْ  -  موجاً من الرَّملِ - استفاقَ بها جنونُ الجاهليةِ  - كي تئدَ العيون) فتسعى لوأد العيون ، التي هي رمز الادراك وعنصر الحقيقة القريب، ويسعى السيف، رمز القوة الغاشمة، الى قطعها والرمال الى وأدها فينبلج زمن مختلف يبدأ من سيلان الدم على الرمل وبعد ذلك تعلو صرخة التضحية ( وهنا استدعاء لموتيف تاريخي في حكاية عن الحسين ( .. فيا سيوف خذيني) التي تتحول الى راية ، وهنا يُستدعى الموروث القومي المجتمعي للراية التي تعني قضية طلب أمر يجمع عليه أهله.  ويستمر التصوير السريالي بان تنبت الراية شجرة يشعّ منها صوت الرفض ممثلا بالصرخة التي تزلزل الأفق فتنتج الفتح غير المحدد في زمنه.

   ومع كل هذا التجديد في التعامل مع الصورة اللازمة للقضية لا نجد في هذا النص محيداً عن الفكرة المأثورة عن القضية الحسينية في كونها قضية الصراع بين الحق والباطل وليس لهذا النص إلا المقدرة الفنية في صناعة الصورة الشعرية السريالية برمزية العناصر وانبثاقاتها المبتكرة التي تؤطرها.

والقصيدة الاخرى (شجرة كربلاء – 2)  

"منذُ أنْ توضأ الترابُ
بدمكَ الأخضرِ
قامت قيامتُها الأرضُ
صار لها وجهُ السماءِ
معنى التجذرِ الآتي بموجِ انبثاقِ
الخضرةِ التي أشعلْتَها في خشبِ السكونِ
وكلما جفت ينابيعُ صوتِ اللهِ
صاح بها صوتُك أنْ تكونَ
فتضيءُ السماءُ وجهَهَا المحمرَ
بالخجلِ المعفرِ بالترابِ
حين ارتقى نُثارهُ الممزوجُ بأسرارِكَ
معانقاَ طيورَكَ البيضاءَ
وهي تصعدُ.. تصعدُ ... تصعدُ
وسيوفُهم تنزلُ في الصلاة عميقاً
تنزلُ .. تنزلُ ..حتى
يتزلزلُ الملكوتُ تنزلُ الملائكةُ
تصطخبُ المجرةُ بالصاعدينَ النازلينَ
فتنكرُ السيوفَ أغمادهُا مكسوةً
بريشِ الخديعةِ، بالدمِ
بانهيارِ منائرِ التكبيرِ
بدُكنةِ السحبِ الماطرةِ غلاً
وهي تُسبغُ قلبَ سبعينَ ألف ثقبٍ أسودَ
تاريخاً من لهاثِ الرملِ
خلفَ أحذيةِ الخليفةِ
وهي تسحقُ فراشاتِ رفيفِ همسِهم
فيستوونَ حجارةَ رجمٍ
لما بينَ الخيطِ الأبيضِ والأسودِ
ليسودَ رمادُ الحرائقِ التي
أشعلوها إذ استوى حقلُ السنابلِ
تحتَ ابتهالاتِ الشفاهِ ..
وكلما توضأ الترابُ وأستقامَ إلى الصلاةِ
بادلتِ الارضُ السّماءَ قميصها المطرزِ
بنجومِ الطعناتِ
واتكأتْ بغيرِ عَمَدٍ تُحصي ثقوبَ خناجرِهم
وهي توغلُ في خاصرةِ السّماء …"

   لا يختلف هذا النص عن سابقه في الاتكاء على البعد الاستعاري للألفاظ ببناء الصور السريالية التي يبدع الشاعر في خلقها ويتعالى في تجديد فكرتها في رؤية تخييلية لصورة السماء بكواكبها ونجومها لتمثيل صورة جسد الحسين بعد أن اوغلت الرماح والسيوف والسهام في طعنه فصارت الثقوب التي صنعتها تلك الأسلحة نجوما وكواكب انعكست صورتها على صفحة السماء فيقول (وكلما توضأ الترابُ وأستقامَ إلى الصلاةِ  -  بادلتِ الارضُ السّماءَ قميصها المطرزِ  - بنجومِ الطعناتِ - واتكأتْ بغيرِ عَمَدٍ تُحصي ثقوبَ خناجرِهم - وهي توغلُ في خاصرةِ السّماء …)
ونخلص هنا الى أن التجديد في التعامل مع موتيف القضية الحسينية تحقق من خلال التطور اللغوي والأبعاد الاستعارية في صناعة اللوحة الشعرية، وهو خالٍ من التجديد الفكري خارج الأيديولوجيا الدينية.

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي