loader
MaskImg

المقالات

مقالات ادبية واجتماعية وفنية

" مخيَّرون " للكاتبة خلود السيوطي استراتيجية "ربَّما، قرّرْ أنت"

breakLine

 


 رواد العوام/ كاتب سوري


انتبه! أنت أمام غابة من الأسئلة، حيناً تفترسك الأجوبة المؤجلة/الملحَّة وأحياناً تطاردك الفكرة وفي الحالتين ستدخل الكتاب كمعركة، وسيضعك العمل بين تاريخين محددين قبل القراءة وبعد القراءة.
 
مخيرون ليس مجرّد كتاب يناقش الدين بالمنطق أو يناقش المفاهيم الدينية بنهج يوافق العلم والدين معاً، لكنهُ اختيارك الحر لتمسك " الغربال" وتغربل أفكارك المكدسة في رفوف عقلك، حيث تفتح السيوطي أمامك أفقاً حرَّاً وممتداً وغير محدد ولا محدود، وتؤمِّنُ لكَ القارب، لكنها لا تضمن لك سلامة الأنواء.. ربما تؤمن لك اقلاعاً آمناً لكنها ربما سترميك وحيداً في فضاء النص، ومن يقتني كتاب مخيرون لا بدَّ أنه بحاجة لمظلة فلا تدري بأي سطر ستهبط!
 
قلة قليلة من يستطيع التعامل مع المعرفة باستراتيجية " هكذا رأيت وقرر أنت" أو باستراتيجية "ربما" التي تعطيك حق التعامل مع الفكرة بعد تشريحها في مختبرك الخاص، دون احتكار أي حقيقة بطريقة مباشرة، والسيوطي هنا تدل على النور إشارةً دون تسميته. وبطريقة أنيقة تنتقل بين أفكار الكتاب بثبات المفكر وحجة العارف وكلمات المتأكد مما يقول، فتطرح الجدل وتناقشه وتضع معطياتها وتترك النهاية مفتوحة للقارئ ليقرر.
 
وبما يشبه اللغة السردية الواقعية تطرح السيوطي فكرة الإنسان بين الجبر والاختيار وتورد التيارات الفكرية الفلسفية والدينية المختلفة عبر الزمن وتضع معطياتها مبررةً فكرة الإنسان المخير، ولماذا مخير وكيف يكون شكل الخيار! بمحاكمة عقلية علمية متقدمة بعيداً عن الطرح التقليدي بالنسبة للقارئ، فخيار المرء جزء حكمة الله في التعامل مع الانسان للوصول للعدل المطلق. وإنْ كان شكل الفعل الإلهي جبراً لكن في طياته وجوهره حريةً للإنسان فيما يفعله.
الجزء الأكثر إثارة في العمل هو فهم الكاتبة المتقدم حقيقةً لقضية التدبر، تدبر شرح النص المقدس وفق المعيار العقلي لا الزمني، وهنا تكمن قوة الكتاب بولوج السيوطي لتفاصيل دقيقة داخل النص والتعامل معها بطريقة الفهم العصرية للعالم، والتدبر الشجاع والتفسير المبني على العقل والمنطق والعلم لكتاب تحاول قوى كبرى -منذ عصور وإلى اليوم- تصويره على أنه مخالف للعلم ولكن السيوطي تبرهم بالعلم " الحديث" أن القوانين الطبيعية والفيزيائية للكون من صناعة الجهة التي جاءت بالكتاب العزيز وسخرته لرحمة العالمين وتنويرهم ولتسهيل الحياة عليهم. أما محاولاتنا نحن لتفسير القرآن الكريم وفهمه يعتبر مجازفة إذ أن اللغة العربية التي نزل بها هي من اللغات السهلة الممتنعة بغناها وأبعادها وتعقيدها. فيمكن لآيةٍ صغيرةٍ واحدة أن تحمل تفسيرات معدودة. كما أن القرآن الكريم وآياته لا يقتصر على الأمور الدينية، بل يتجاوزها إلى الأمور العلمية والكونية، ولكي تستطيع فهمه عليك التبحر في العلوم والاستزادة منها. 
 
 
تتحدث الكاتبة عن الكوارث الطبيعية وكيف أنها تخضع في تشكلها لقوانين الفيزياء والكيمياء، أي قوانين الطبيعة التي هي من صنع الله تعالى. أما اختلال التوازن البيئي الذي نشهده في السنوات الماضية فما هو إلا نتيجة للتدخل البشري كالاحتباس الحراري الذي سببته الثورة الصناعية.
 
 
كتاب مخيرون كتاب يبحر في القضايا الجدلية ويقاربها بلغةٍ وفكر وطرح مغاير، طرح طبيبة بشرية لم تستطع أن تقول لزملائها في أمريكا أن القرآن مقدس لأنه من عند الله، بل تعاملت باحترافية المفكر مع العقول المتسائلة وبحجة مقنعة ومنطقية، فالفيزياء والكيمياء والفلك والرياضيات علوم اكتشفها الإنسان من خلال الرحلة الحضارية والتوق إلى المعرفة وهذه المعرفة هي غاية الدين الذي نزل ليحقق المعرفة بالله، وهي المعرفة الكلية، فالخالق الذي شكل العالم وفق قوانين معقدة وأنزل الرسالة السماوية الموحدة، هو مهندس الحياة والكون والعلم ومنزل الديانات وهو الوحيد دون تدخل أي قوى أخرى، فلا تناقض بين الفيزياء الفلكية وبين الآيات التي تدبرتَّها السيوطي بمنطقٍ علمي منهجي وليس بمنطق ديني. فلا خطأ في القرآن لأنه ثابتٌ، بل الخطأ في العلم والتاريخ يثبت ذلك الذي يناقض نفسه ويتجدد ويعطي افتراضات جديدة في كل عصر. العلم والنظريات تعيش حالة تطور وتصل لنظريات هي في الأساس ليست بعيدة عن الدين أو القرآن. فالعلم والدين ليسا متعارضين والقرآن الكريم يحمل معارف من الممكن أن العلم لم يتوصل إليها بعد، بل وإنه المرجع الأهم لجميع أنواع العلوم وهو مرجع لا يخطئ على عكس العلوم جميعها التي تملك عمراً افتراضياً.
أما ما يخص التدبر وهو بتقديري الجزء الأكثر ثراءً في هذا الكتاب، فقد تعاملت الكاتبة بقضية التدبر بكل هدوء ودون الضجة التقليدية التي يطرحها الذين تعاملوا مع شرح القرآن، فالشواهد القرآنية التي ساقتها والسياق الذي تراها فيه الكاتبة ربما ستقرأه للمرة الأولى.
 
تنتقد الكاتبة مصطلح العيب الخلقي إذ لا علاقة لعيوب الولادة بالخِلقة فقد خلق الله الإنسان في أحسن تقويم، ولكن تدخل العنصر البشري الذي يتم هو ما أدى إلى هذه العيوب بسبب مشاكل جينية أو بيئية أو وراثية وجميع هذه الأسباب تعزوها الكاتبة إلى الإنسان، ثم تتناول أمر الزواج والإنجاب وتدحض مقولة أن الزواج قسمة ونصيب كما يقال إنما هو إرادة حرة في الاختيار بين الشريكين وتتحدث بإسهاب عن المسببات الوراثية لعيوب الولادة على مرِّ الأزمان.
 
كتاب خلود السيوطي ليس له تاريخ صلاحية وهذا ما يعجب القارئ ومن الحكمة وضعه في صيدلية المنزل، فهو عملٌ بكل بساطة موجه لفئة لا يقين لديها وتستسهل النهل من الفرضيات والنظريات والفتاوى والمراجع الجاهزة التي لها تاريخ وسجل حافل بتسميم العقول، وتخاطب القارئ بلغة الحداثة ونظريات العلم وفيزياء الفلك لا بلغة القرن الثاني الهجري، وبمهنية الأكاديمي وبهدوء الباحث تضع أوراقها على طاولة القارئ ضمن استراتيجية " ربما، قرر أنت" فيشارك القارئ بكل سطر في العمل من خلال إعادة خلق أفكار الكتاب من خلال مناقشتها.
بعض الكتب كالفرس الجموح، لا تمتلكها ولا تمتلكك، ولكنها تبقى في ذاكرتك، والقارئ عموماً للقضايا الدينية والفلسفية يعيش تحت وطأة الفكر المعلب الجاهز، لكن مع السيوطي الأمر مختلف، مختلف تماماً، فمع خلود السيوطي نحن مخيرون.

 

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي