loader
MaskImg

المقالات

مقالات ادبية واجتماعية وفنية

لماذا انتهى احتجاج مسرح اللامعقول؟

breakLine
2023-03-21

غسان عادل | شاعر عراقي


منذ الأيام الأولى، التي أنتشرت فيها مقالة البير كامو الموسومة " باسطورة سيزيف" في العام 1942، والتي أصبحت فيما بعد، مرجعاً فلسفياً وثقافياً، تبناه كل من تداهمه فكرة الحرية، بأعتبارها سراط الإنسان وثيمته التي ولدت معه، حتى اجتازت حدود التبني الفردي، لمجموعة من الكتاب المسرحيين، وهم يتخذون من محنة الإنسان في الكون، المادة والتعبير، والكثير من التجريد، سيما وأن مسرح اللامعقول " المسرح العبثي" أو "مسرح المفارقات المضحكة،أو "مسرح المتناقضات"  أو "مسرح الاحتجاج والتناقض"، ارتبط ارتباطاً وثيقاً، بالظرف السياسي العالمي، وتحديداً في العقد السادس من القرن العشرين، حيث يرى البير كامو إن سيزيف يمثل ويشخص محنة الإنسان بوصفها لا هدف، في وجود متنافر مع ما يحيط به، حيث التقاء الاضداد، وبدأ ذلك فعلياً مع بد، العد التنازلي لانهيار القيم والأعراف والتقاليد والعادات والمعتقدات والأخلاق، الذي ادى بالعالم ككل لفقدان شكله، وكمحاكاة لهذا العالم العبثي كان لزاماً على الفن أن يفقد شكله هو الآخر، ويتخذ طابع التجريد مخالفاً بذلك كل قواعد المنطق الأرسطي، فضلاً عن ولادته بعد السقوط المفاجئ لجميع عهود الأمل، وجميع تفسيرات المعنى.


وكثيراً ما يشار ويعبر عن اللامعقول، بالمسرح الطليعي باعتباره طارئاً جديداً داهم المجتمع المعذب والمضطهد والجائع وغير المستقر في كثير من الاحيان، وهي تسمية غالباً ما تبدو عامة وغير دقيقة، على اعتبار أن الطليعية في المسرح صفة تصلح لكل الحركات والتيارات التجديدية ومنها اللامعقول، تكسر كل الأعراف السائدة وتمهد لمنظور جديد.


ويشير يونسكو، وهو واحداً من رواد هذه الحركة إلى ذاته بالقول "يبدو أنني من مؤلفي مسرح الطليعة" ليؤكد بعد ذلك على أن " الفن الحقيقي المسمى بالطليعي أو الثوري هو ذلك الفن الذي يبدو وكأنّه غير حالي ، نتيجة لمعارضته الجريئة لعصره، إنه مسرح على هامش المسرح الرسمي يبدو له متطلبات عليا ، من خلال تعبيره وصعوبته"

 

ويقودنا ذلك إلى أن، الأيمان المطلق الذي تولد لدى صمويل بيكيت، واوجين يونسكو، وآرثر اداموف، وجان جينيه، وهارولد پنتر وغيرهم، من حالة الالم الميتافيزيقي التي خلقها سيزيف، وهو يمارس طقوس الخطيئة المفروضة عليه، بدحرجة لا نهائية للحجر إلى اعلى التل، مع ادراكه بأنه لن يصل النقطة التي من خلالها يمكنه الحصول على صك الغفران هو من اعطى الشرعية لافكارهم، ومتبنايتهم بتكوين الشكل والمضمون، مع الأخذ بنظر الاعتبار اهمال مظاهر التركيب المنطقي، والربط المعقول بين فكرة واخرى من حيث وضعهما في قالب جدلي يتيح تطبيقه فكرياً، وفي هذا الصدد فقد يقول جورج ولورث، إن أهم مايميز هذه المسرحيات، أنها تشترك في موضوع واحد هو الاحتجاج، وتقنية واحدة هي التناقض، وهي أولى خطوات تحويل عبثية التجربة إلى المسرح، مع علمهم بأن هذا الأسلوب يحمل الضدين السلب والايجاب، دون ترجيح كفة أحد الضدين، من خلال ملاحظات العديد من الكتاب، المنضوين تحت كيان كتاب "مسرح اللامعقول" وهم يوثقون تضاريس الملل الحاصل في تقديم مسرحياتهم، التي لا تستطيع الثبات في ميدان امسية كاملة، وهو ما دعا "پنتر"إلى الانسحاب من جماعة العبثيين ودمج اللامعقول بالملهاة الرفيعة، التي تبني سخريتها على الحوار الحاذق الذكي، كما ذهب بيكيت لجعل مسرحياته أقصر فأقصر، فيما نبذ اداموف، هو الآخر "مسرح اللامعقول" كلياً، وبالتالي هجرانه واعتناق مدرسة المسرح الملحمي، التي اسس لها كل من بريشت وبيسكاتور، والتي بدأت هي الأخرى منقوصة العناصر، لأنها تعكزت على الدراما كثيمة اساسية، وهو الأمر الذي انتبه إليه بريشت بقوله " أن عالم اليوم لم يعد يلائم الدراما" ليبدأ بخلق عنصر مكمل لمفهومه، الذي عرف فيما بعد بالمسرح "الملحمي".


حيث لا يخرج مسرح اللامعقول، عن نطاق الحقيقة طالما هو يلجأ إلى الخيال والابتكار، ومن ثم فإن من حقه أن يذهب إلى القول بأن العالم الذي نعيش فيه يبدو له غير معقول وأن عقله أو تفكيره لا يمكنه أن يفهم هذا العالم.

وهذا ما يؤكده البير كامو، بقوله، إن الواقع لا معقول ، وتافه ليس هذا سبب شقاء الإنسان ، بل سبب شقائه أنه لم يدرك تماماً هذا اللامعقول، لذلك يسعى مسرح اللامعقول دوماً إلى تنشيط الموقف العقلي واستفزازه ومخاطبة مستوى أعمق في ذهن المتلقي، فهو يتحداه في أن يجد معنى في لا معنى وأن يواجه الوضع في وعي لا أن يحس به في غموض ، أن يدرك ضاحكاً العبثية الأساسية

كل هذه العناصر والمقومات والافكار والمتبنيات، التي اسس لها هولاء، لم تصمد حتى في ظل تصاعد وتيرة الظرف السياسي العالمي، والذي يعتبر المغذي الرئيسي لمسرح العبث من وجهة نظر المؤسسين له، حتى جاء العام 1962، ليعلن نهاية هذه الفكرة وطي صفحاتها، حتى مع بقاء آثارها في المسارح التقليدية، المكبلة بالقواعد الكلاسيكية والتي تتعكز عليه بوصفه قوة محررة.

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي