loader
MaskImg

المقالات

مقالات ادبية واجتماعية وفنية

شعرية الحوار في قصيدة (اغنية من مقام الندى)

breakLine

 

للشاعرة لجمانة الطراونة


أ.د.سعد محمد التميمي || كاتب عراقي


 تبني الشاعرة جمانة الطراونة قصيدتها (أغنية في مقام الندى)على الحوار مع الآخر الحبيب الذي قد يكون واقعيا أو خياليا أو رمزيا ،وهذا الحوار أجادت الشاعرة في تحولاته وما اختارته من مفردات وتراكيب وصور شعرية فاعلة، إذ يشكل عنوان القصيدة الذي يمثل العتبة النصية في هذه القصيدة من ثلاث كلمات عدا حرف الجر(من) وكل منها يحيل إلى دلالة خاصة مرتبطة بموضوع القصيدة لذا يسهم في تفكيك شفرات القصيدة ويرشد المتلقي إلى عالمها، فالأغنية تدل على العاطفة التي عبرت عنها الشاعرة للآخر، أما المقام، فيدلّ على المكان وهو فضاء الحوار فضلا عن بعد الصوفي ، ويشير الندى الى العطاء الذي منحته الشاعرة للآخر وأكده في القصيدة ، فقد كان الحوار وسيلة الشاعرة وقد استعملته  كأداة اتصال وتواصل على وفق تدرج بنائي يعتمد  ثنائية الأدوار بين المتحاورين ، إلّا أن الشاعرة هي من كانت حاضرة بشكل مباشر من خلال ما طرحته من معان وأفكار، أما الآخر الحبيب فقد كان غائبا وقد يكون مغيبا بقصدية من الشاعرة لتعطي ثنائية الحضور والغياب للقصيدة فاعلية مؤثرة وهذا ما تكشفه صور القصيدة اذ تقول :                                                              

شِعري بغير " أنا " والله ما اختصَركْ     فهل يُغيظكَ قولُ الناس ما افتكركْ
أليس يكفيكَ؟! أنّي كلّما سألوا        ما الحبّ؟! أرفع عن عِلمٍ به صورَكْ
وأنْ أُصلّيَ فرضي مرّتينِ وأنْ              أكحّل العين حتّى أجتلي بصَركْ
ولا أسيرُ بدربٍ ما مررتَ بهِ                  لكي أعلّمَ خطوي يقتفي أثرَكْ
فلا أطيقُ حديثاً لستَ صاحبهُ             ولا أقول روى ما لم يكن خبرَكْ
للحبّ سلطتهُ العليا وليس لنا           يدٌ عليهِ فمن ينجيكَ لو قهرَكْ ؟!
أنا وأنتَ وهذا العشق يجمعنا       كأنّه اللغز : صيدٌ ؛ صائدٌ ؛ وشرَكْ !
فلا تسلني على ما فيكَ أعجبني         وأنت تجهلُ ماذا فيَّ قد أسرَكْ ؟!
شوقي إليكَ غريبٌ كلّما ذُكِرتْ     لي قصّة  اثنينِ ذابا في الهوى حَشَرَكْ  !
 

فهذا البوح الذي تطلقه الشاعرة قد يكون ردا على عتاب من الآخر لم تذكره الشاعرة، وهذا الحضور لصوت الشاعرة يقابله غياب لكن هذا الغياب هو حسي فقط فهو موجود في ذهن الشاعرة ويستطيع المتلقي الوصول اليه من خلال بنى الحضور في القصيدة، فهو متحقق في ثنايا كلام الشاعرة وفي بوحها عن عاطفتها وتأكيدها لمواقفها التي تحدثت عنها ودافعت عنها بقوة، فثنائية الغياب والحضور فاعلة بقوة في القصيدة، فالشاعرة توظف الاستفهام بدلالته التقريرية لتصوير وفائها وثباتها على عاطفتها اتجاه الحبيب فقرنت صورته بالحب (كلما سألوا عن الحب أرفع عن علم به صورك) وهي تصلي الفرض مرتين وتكحل العين استعدادا وفرحا بلقاء الحبيب، ولا تسير الا في دروبه ، ولا تسمع الا حديثه ولا تروي الا عنه، أنه يمثل أعلى مراتب العشق والهيام ، فهذا الحوار يمثل المرأة العاشقة وليس سهلا ان تبوح المرأة بعشقها مع الاحتفاظ بكبريائها وثباتها على مواقفها ، وهذا التعبير عن المشاعر والعواطف تارة بالحب وأخرى بالعشق يؤكد تناميه في قلبي الحبيبين، فهو على حد اقرار الشاعرة سلطة لا يمكن التخلص منها ،لكنها تخبره بان شوقها له غريب ومتفرد فهو معها في كل وقت ،وتأتي التراكيب بما تتضمنه من حمولات دلالية لتعكس وظيفة الحوار في ايصال رسالة الشاعرة، فهي تتحدث عن حب ببعد صوفي، اذ يدخل الآخر في الذات ، وهذا ما عكسه استهلال القصيدة من خلال الاستفهام الذي  منح القصيدة  قوته الإضافية في التعبير والدلالة على مستويي اللغة ، إذ يحقق هذا الاستفهام فعلا انجازيا غير مباشر يتمثل بالنفي مما يضفي على القصيدة سمة الجدل الذي تنتصر فيه الشاعرة فيما تطرحه من حجج على امتداد القصيدة .                                          

وعلى الرغم من أن الحوار واحد من تمثلات السرد الا ان الشاعرة لم تهتم بوظيفته السردية بل استثمرت قيمته الشعرية كاداة للتواصل مع الآخر، وذلك لأن الصوت المرأة الشاعرة هو الطاغي، وهو من يفجر عنفوان الحب ويثبت عليه ، أما الرجل فهو من يظن بالمرأة ويبخل عليها بمشاعره الحبيبة فأطلقت هذه القصيدة  صرخة  تعلن فيها عن الحب ، إنه التملك الذي يصل إلى قتل من نحب لأننا نحبه ، وقد جاءت الكلمات التي وظفتها الشاعرة بفنية  شعرية لتعكس الحالة الشعورية والانفعالية  لواقع علاقتها بالحبيب ولذلك تخاطبه قائلة :                                                                                          

دخــلتَ حربيَ مهزوماً فعدتَ بما      لم يستطعْ أحدٌ ؛ سبحان مَنْ نصرَكْ
فيروز كلّ صباحٍ حين أسألها        عليكَ تهمس لي : آتٍ  فأنتظِرَكْ ؟!
أجّــلتُ مــوعِدَ فنجاني لأشـــربَهُ          مـــــن راحتيــكَ أميــري؛ فلْتُرحْ قمرَك
منذ الصباح وصدري ضيّقٌ حَرِجٌ         كأنّما جَمــلٌ فـــــوق الضــــلوع برَكْ !
فالمرأة الحبيبة هي من حولت الحبيب من الهزيمة الى النصر، بما تفيض به من مشاعر وعواطف صادقة ووفية، لكنها مع كلّ ما يبدر منه ومع طول غيابه تبقى بانتظاره فطالما سألت فيروز عنه فكانت تجيبها بأنه آت والحقيقة أن الشاعرة تريد أن تقول أنها مازالت واثقة من عودته إلى مظلة عشقهما وتأتي الصورة الشعرية التي تصور قلقها وتوجسها لتعكس سبب غياب صوت الحبيب وهيمنة صوت الشاعرة العاشقة بقوة .

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي