loader
MaskImg

المقالات

مقالات ادبية واجتماعية وفنية

الأخلاق: براغماتية أم موضوعية؟

breakLine

 

 

كلكامش نبيل |  كاتب عراقي

 

قبل سنتين تقريبًا، دخلتُ في نقاشٍ مع بعض المسلمين حول موضوع الأخلاق، وكانوا يجادلون بأن المادية والإلحاد يعجزان عن تقديم أساسٍ راسخ للأخلاق. لا أنكر أنّهم أحرجوني في مواضع كثيرة في البداية، وبعضها يتعلق بإيجاد تفسير مادي لحقوق الإنسان، لكنني كنتُ أستخدم منهج التطوّر الدارويني لتفسير الأخلاق، فضلاً عن البراغماتية، وكتبتُ مقالا عن ذلك النقاش في حينها، وباشرتُ بقراءة كتاب لـ«مايكل توماسّيلو»، عالم النفس التطوري والمقارن الأميركي، بعنوان A Natural History of Human Morality، والذي لم أنتهِ منه في حينها.

مساء اليوم، شارك أحد الأصدقاء، ممّن ناقشتهم أوّل مرة، منشورًا لمسلم مناهض لنظرية التطوّر، قال فيه:

((باب في أن كل مؤمن بالتطور يمتنع أن يقيم نظامًا أخلاقيًا موضوعيًا -يعني مستقل عن إدراكنا-
المقدمة الأولى: يعتقد (S) المؤمن بالتطور أن (X) [التطور] يفسر ظهور (P) الأخلاق. 
المقدمة الثانية: (X) [التطور] لا يسعى للوصول للحقيقة.
النتيجة: اعتقاد (S) [المؤمن بالتطور] بصحة (P) [الأخلاق] غير مبرر. 
على سبيل المثال: في الجاهلية كان إذا خرج أحدهم لحاجة ورأى الطير طار عن يمينه هنئ به واستمر، وإن طار عن يساره تشاءم به ورجع، فهل الإيمان بهذا التشاؤم مبرر؟ لا، وحتى لو اتُفق أن حدثت عاصفة في اليوم الذي تشاءم فيه الجاهلي الذي تطيّر، فلا يكون ذلك إلا صدفة، لأن هذه الطريقة لا تسعى للوصول للحقيقة أصلا، وكذلك التطور.))

علّقتُ للصديق بأن ربط التطوّر بالتشاؤم وغيره منطقي على الإطلاق، وأن موضوع الأخلاق ليس البحث عن الحقيقة، بل تحقيق مصلحة النظام العام.

علّق أحدهم بأنه لم يربط الأمر بالتشاؤم وأن المثال لتوضيح الفكرة فحسب، فقلتُ له أن المثال غير موفق، كرّرتُ التأكيد على أنني لا أتفق أصلا مع الافتراض الذي يربط الأخلاق بالبحث عن الحقيقة.

علّق صاحب «المبرهنة» بالقول: هذا يعني أنك لا تثبت وجود حقائق أخلاقية موضوعية أصلاً؟

قلتُ له: نعم، الأخلاق نسبية وتختلف من مجتمع لآخر وعبر العصور والأزمنة. الأخلاق الأساسية محدودة، وحتى هذه ظرفية هدفها الحفاظ على وجود وتماسك المجموعة؛ أي لهدف براغماتي صرف.

شاركتُ معه مقالاً لي يوضح كيف أن القتل جريمة مرفوضة داخل المجتمع، ولكنه هدف مرغوبٌ فيه عند الدخول في حرب مع مجموعة أخرى، وأن زواج الأقارب من الدرجة الأولى يعدّ من «زنا المحارم» عند الكثير من الطوائف المسيحية، لكن زواج أبناء الأعمام والأخوال والعمّات والخالات مقبول عند المسلمين، وهذا يوضّح النسبية الظرفية والثقافية للأخلاق والقوانين.

كتب لي صاحب المنشور الأصلي: أعلم، هذا تعليل أصحاب نظرية الخطأ error theory للفيلسوف الأسترالي جون ليزلي ماكي، يفسرون الأخلاق بأنها ضرورة عملية Practical Necessity، فلو قدرنا أن لم يتفق البشر على قبح قتل أناسٍ عشوائيين، لما أمكن وجود مجتمع، فالهدف منها براغماتي لا لكون الأفعال تتصف بصفات موضوعية. كما تحب، آمن بالخرافة التي تريد، وإن كان أقرب مركز شرطة في حاجة لسجنك.. فما دام الأمر كله براغماتي، لا أظنك ستمانع في اغتص#اب الأطفال مقابل مبالغ مالية محترمة.

قلتُ له: مؤسف جدا الشخصنة ضدي وبدون أن تعرفني. لقد تركنا هذه الممارسات لغيرنا. لا حاجة لي لا بالأطفال ولا الأموال.

كتب، محاولا استخدام حجتي ضدي: لماذا أزعجك كلامي؟ أخي، ليست هناك أخلاقٌ موضوعية، فكلامي ليس قبيحا في نفسه.

قلت: نعم، حتى حماية الأطفال تقع ضمن مفهوم ملكية الأهل لهم في الماضي، كما أن موضوع القاصرين يختلف من مجتمع لآخر، وعبر العصور، لكنك تتعمّد الشخصنة بقصد الإساءة.

قال: أقسم بالله أنها ليست شخصنة، أنا ألزمك بمقتضى اعتقادك في الأخلاق فقط، وما دمت قد استشنعت قولي، فيبدو أنك لا تؤمن بما تنظّر له حقا.

قلت: أنا أتحدث عن تفسير الأخلاق وكيف توصلنا لها، ولمّا اتفق عليها الناس فالموضوع يختلف. لكن أسبابها براغماتية ولهذا السبب تتغير بمرور الوقت.

أنكر أحدهم أن هذا هو الواقع، فذكرتُ له: بل واقع تاريخي واجتماعي، العبودية نشأت مع الزراعة. لا وجود للعبودية في مجتمع صيادين مثلا، في عصور ما قبل الزراعة.

قال: جميل، ليس لديك أي مسوغ أخلاقي لاستقباح اغتص#اب الأطفال، إن قرر مجتمعٌ ما أخلاقية هذا الفعل. أنصحك بأقرب مصحة نفسية.

تركتُ النقاش معهم لأنهم ينكرون أن هذا بالفعل ما يحدث، وأن ما كان مقبولا سابقًا – مثل العبودية – باتفاق المجتمع، أصبح مرفوضًا باتفاق المجتمع أيضًا، والمنتصر يفرض قيمه، ويتبارى الجميع في تقليده.
 

 

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي