loader
MaskImg

السرد

يعنى بالسرد القصصي والروائي

أبواب عبدالنبي

breakLine

 

عبدالله ناصر || قاص سعودي

 

تنفتح الأبواب المغلقة بالمفاتيح المعدنية أو الالكترونية، أو بالبراجم حين تطرق الباب مرتين فتُجابُ قبل المرة الثالثة، أو بالسبابة ترن الجرس فتأذن لها سبابة في الداخل، أو بخبطة قدم غاشمة، أو بالرجاء وكم فتح من الأبواب الموصدة، أو بكلمة السرّ، أو بالجواب الذي يطمئن سؤال: "مين؟".

وقف جاهين في إحدى رباعياته يطرق الباب المقفل سنين وما كان ينفتح، لأن من في الداخل يسأل من هناك، وجاهين لا يعرف الجواب. "يا باب أيا مقفول إمتى الدخول، صبرت يا ما واللي يصبر ينول، دقيت سنين والرد يرجع لي مين؟ لو كنت أعرف مين انا كنت اقول". أما فؤاد حداد فكانت مأساته الباب الدوار الذي يفتح له لا ليدخل بل ليخرج. "وانا داير داير الابواب ترجّعني". لكل منّا أبوابه القديمة المترصدة، أو تلك التي تتوعده في المستقبل. ليس على جانبيها بالضرورة داخلٌ وخارج. نقف عليها فلا نتقدم نصف خطوة ولا نتأخر نصف خطوة. دعوة بالدخول في قدم، ووعيدٌ بالطرد في قدم. تُرانا نُصرف عنها أم إليها؟

لطالما استوقفتني أبواب عبدالنبي. أتذكر مدخل عمله القصصي "كان يا ما كان". شخص مخمور أو يعتقد أنه كذلك، يقف قدام باب على هيئة غلاف كتاب أم كان يقف على كتاب على هيئة باب؟ وفي عمله الأخير "كل يوم تقريباً" شخصٌ مخمور يقف عند باب نعرفه جيداً، نكاد نرى زخارفه البسيطة حتى عندما نغمض أعيننا، آثار أيدينا هناك. ما عادت المفاتيح في جيوبنا منذ زمن بعيد، والباب ليس موصداً أصلاً لكننا لا نملك أن ندخل. سآتيكم بالباب فادخلوا إن استطعتم:

"بعد أن تجاوز الثلاثين، وفي لحظة سُكرٍ بيّن، وبينما يركض الناس في الصباح المبكر إلى أشغالهم أو مصالحهم، سوف ينزل فؤاد من أتوبيس النقل العام، في منتصف المسافة إلى البيت في شبرا الخيمة، تحديداً عند محطة الوايلي الكبير، ويصعد الدرج الضيق القديم لمبنى المعهد، بعد إعادة بنائه وتجديده وتحويله إلى عيادات طبية. ويبحث عن شيء لا يعرفه، شيء فقده هنا ذات يوم بعيد من ثمانينيات القرن الماضي، وعلى آخر درجة سلّم وجد باباً موارباً وخلفه بعض الشباب الملتحين يقرؤون القرآن، فرادى وجماعات. سيبقى جالساً لبضع دقائق على برودة البلاط أمام الباب، يبكي بهدوء حينا، وبحرقةٍ حيناً آخر، كأنه لو جلس طويلاً بما يكفي، وبكى مخلصاً بما يكفي لانفتح بابٌ ما، هذا الباب، أو باب آخر موصد في داخله، ولَدعاه شخصُ ما إلى الدخول، حيث تنتفي كل لوعة ويُجاب كل سؤال. ربما ليس واحداً من هؤلاء الشباب الذين يرميه بعضهم بنظرات توجس وارتياب. ماهذا؟ أحد أحفاد الجبلاوي خارج الصبح سكران من البوظة يدور حول التكية وينادي باكياً على جدّه؟ "يا جبلاوي، انت فين يا جبلاوي؟"، قديمة خلاص لم تعد تدخل على أحد. أم أن هذا هو فؤاد فحسب، الكهل جالسٌ على باب طفولته، يتمسّح بالماضي ويتشمم أثره، مفتشاً عن وجوهٍ كانت ذات يومٍ ناعمة لسعيها راضية؟".